إذن، فكيف يمكن للإنسان على الأرض، الذي هو ملتحف بالموت أن يعود إلى عدم الفساد (عدم الانحلال أجيب بأنه يلزم لهذا الجسد المائت أن يصير شريكا للقوة المحيية التي تأتى من الله. لكن قوة الله الآب المحيية هي الكلمة الوحيد الجنس، وهو الذي أرسله لنا (الأب) كمخلّص ومحرر. أما كيف أرسله لنا، فهذا ما يخبرنا به بوضوح يوحنا الإنجيلي المبارك عندما يقول: «والكلمة صار جسدًا وحل فينا».(يو١٤:١).
لكنه صار جسداً دون أن يخضع لأي تغير أو تحول إلى ما لم يكونه، ودون أن يتوقف عن أن يكون هو الكلمة ـ لأنه لا يعرف ما معنى أن يعاني ظل تغيير، بل بالحري بكونه ولد بالجسد من امرأة وأخذ لنفسه ذلك الجسد منها، لكيما إذ قد غرس نفسه فينا باتحاد لا يقبل الانفصال، يمكنه أن يرفعنا فوق سلطان الموت والانحلال كليهما معا. وبولس هو الشاهد لنا، حيث يقول عنه وعنا: «فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما، لكي يُبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس، ويُعتق أولئك الذين خوفا من الموت كانوا جميعًا كل حياتهم تحت العبودية، لأنه حقا ليس يمسك الملائكة بل يمسك نسل إبراهيم، من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء أي يُشبهنا».(عب١٤:٢-١٧). لأنه صار مثلنا، وكسى ذاته بجسدنا لكيما بإقامته إياه (الجسد) من الموت، يُعد - من الآن فصاعدًا - طريقا يمكن به للجسد الذي وضع (أذل) حتى الموت، أن يعود من جديد إلى عدم الفساد (الانحلال) لأننا متحدون به مثلما كنا أيضا متحدين بآدم عندما جلب على نفسه عقوبة الموت. وبولس يشهد لهذا، إذ كتب هكذا في أحد المرات: «فإنه إذ الموت بإنسان، بإنسان أيضا قيامة الأموات».(١کو٢١:١٥) ويقول أيضا: «لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيحيا الجميع».(١كو٢٢:١٥). لذلك فإن الكلمة، إذ وحد مع ذاته ذلك الجسد الذي كان خاضعا للموت، فلكونه الله والحياة، فقد طرد منه الفساد (الانحلال) وجعله أيضا يصير هو مصدر الحياة؛ لأنه هكذا ينبغي أن يكون جسد ذلك الذي هو الحياة.
القديس كيرلس الإسكندري