عن نعمة البصيرة وضرورة الابتعاد عن المتهاونين
إلى إخوتي الأحباء في الرب، سلاما، أنتم تعلمون أنني أكتب إليكم كأبنائي الأحباء، وأبناء الوعد، وأبناء الملكوت، ولذلك فإني أذكركم ليلا ونهارا أن تبذلوا كل جهدكم وأن تدعوا الله دوما أن يحفظكـم مـن كـل شر، وأن يمنحكم القدرة على التمييز والبصيرة الروحية فتتعلمون كيـف تميزوا الفرق بين الخير والشر في كل شيء، لأنه مكتوب« أما الطعام الصلب فللكاملين الذين يملكون بسبب قوة شخصيتهم حواسا مدربة على التمييز بين الخير والشر» هؤلاء الذين صاروا أبناء الملكوت، وأحصوا في قامة التبني لله، وقد منحهم الله البصيرة الروحية في كل أعمالهم لكي لا يخدعهم أحد، ذلك أن الإنسان (كثيرا ما) يقع في فخ الخداع باسم الخير، كما أن الكثيرين ينخدعون بنفس الطريقة، لأنهم لم يحظوا حتى الآن بهذه البصيرة من لدن الله. ولهذا فان الطوباوي بولس الذي يعرف أن ذلك بمثابة ثروة عظيمة للمؤمنين يقول «لهذا أُحنى ركبتي في الليل والنهار أمام ربنا يسوع المسيح لأجلكم، لكي يعطيكم (القدرة) على الكشف عن معرفته، فتكتسب عيـون قلبكم نورا تعرفون به ما هو العرض والطول والارتفاع والعمق، وتدركون محبة الله التي تفوق المعرفة»
وهكذا فقد أحبهم بولس من كل قلبه واشتهي أن يعطى لأبنائه الذين يحبهم هذه الثروة العظيمة التي اختبرهـا والـتـي هـي البصيرة (الروحية) في المسيح. حيث إنه يعرف أنه لـو منحهم (هذا الغني) فلن يتعبوا في أي أمر. ولـن ينالهم أدنى خوف، بل إن تعزية من لدن الله سوف تكون معهم ليلا ونهارا، كما أن عمل الله سوف يكون لهم أشهى من العسل والشهد، وسوف يكون الله معهم دائما، كما سيمنحهم تجليات. وأسرارا عظيمة لا يستطيع لساني أن يعبر عنها الآن يا أحبائي، حيث إنكم تعتبرون أبنائي فاطلبوا (من الله) بلجاجة وإيمان ودموع لكي تحظوا بنعمة البصيرة الروحية هذه التي لم تنالوها منذ أن أتيتم إلى هذه الحياة النسكية أما أنا الخاضع الذليل فأصلي من أجلكم، لكي تصلوا إلى هذا الرقي وهذه القامة التي لم يصل إليها كثير من الرهبان لأن النفوس المحبة لله موجودة في كل مكان رغم ندرتها. ولكن إذا رغبتم في الوصول إلى هذا المستوى (الروحـي) فـلا تعتادوا أن تسمحوا لمن يحمـل اسـم راهب بزيارتكم لو كان من المتهاونين، بل احرصوا على أن تعزلوا أنفسكم عن أمثال هؤلاء، وإن لم (تفعلوا ذلك) فلن يسمحوا لكم أن تتقدموا فيما هو لله، بل سوف يخمـدون مـا التهب فيكم من حرارة، فالمتهاونون يفتقرون إلى الحرارة (الروحية)، ويتبعون أهواءهم، وإذا ما جلسوا بجواركم يتحدثون عن أمور هذا العالم، وبسبب حديثهم هذا يخمدون حرارة (إيمانكم) ويخطفونها منكم ومن ثم فهـم لـن يمنحـوكم فرصة للتقدم وكما هو مكتوب «لا تطفئوا الروح». (فالروح) ينطفئ من جراء الأحاديث التافهة والتشتت، فإذا ما رأيتم بعض هؤلاء فأحسنوا إليهم وفروا منهم فرارا ولا تخالطوهم، (فأمثال) هؤلاء هم الذين لا يسمحون للإنسان بالتقدم في أيامنا هذه.
أحبائي، كونوا معافين في الرب، وفي روح الوداعة.
القديس آمون
( رسائل القديس آمون مدرسة الإسكندرية )
