قصّة ميلاديّة: "هلمّ واسكن فينا".
"فادي" الصّغير!.. صبيّ في التّاسعة من عمره في الصّفّ الثّاني الابتدائيّ. كان من المفروض أن يكون في الصّفّ الرّابع، لكنّ الجميع كانوا يعرفون أنّ لديه صعوبات في التّعلّم. كان سميناً، وبليد الذّهن، بطيئاً في الحركة والفهم. أحبّ أن يشارك في مسرحيّة الميلاد بدور الرّاعي، لكنّ المسؤول عن تنظيم الأدوار علم أنّه في هذا الدّور سيكون لديه الكثير ليحفظه، لذلك أعطاه دور صاحب الفندق حتّى لا يضطرّ لحفظ الكثير.
أمضى فادي الصّغير أسابيع يدرس دوره ويكرّر الكلمات.
كان كلّ الهمّ تلك السّنة ألّا ينسى "فادي" دوره ويتعرّض للإحراج.
يوم عرض المسرحيّة كانت الكنيسة مكتظّة. ولم يكن أحد متأثّراً ومتحمّساً مثل فادي.
وأتى الوقت، حين يصل "يوسف ومريم" إلى الفندق.
قرع "يوسف" على باب الفندق الخشبيّ.
كان صاحب الفندق "فادي"، منتظراً هناك.
- فتح فادي الباب وقال: ماذا تريد؟!.
- أجاب يوسف: نبحث عن مكان للإقامة.
- قال فادي: "ابحث في مكان آخر".!..، ناظراً أمامه، وقال بصرامة: "الفندق ممتلىء".!..
-اجابه يوسف: لقد بحثنا في أمكنة أخرى، يا سيّدي، ولكن عبثاً.!..
إنّنا آتون من مكان بعيد ونحن متعبون للغاية.
- أجاب فادي بشكل قاطع: لا مكان في الفندق لكما.!
-قال يوسف: أرجوك يا صاحب الفندق الطيّب، ان مريم حامل وتحتاج إلى مكان لترتاح فيه. من المؤكّد أنّ لديك زاوية صغيرة تستطيع أن ترتاح فيها. إنّها متعبة للغاية.
في هذه اللّحظة، تغيّرت نظرة "فادي" الصّارمة ونظر إلى "مريم". وصار صمت طويل، امتدّ حتّى جعل الحاضرين مشدودين ومرتبكين.
- صرخ الملقّن من خلف السّتار: "كلّا.!.. اذهبا".!.. .
- أجاب "فادي" تلقائياً: كلّا،"اذهبا".!..
حينئذ، أخذ يوسف ومريم يبتعدان . وفادي واقف امام مدخل الفندق، ينظر اليهم بحزن .. عقد حاجبيه وامتلأت عيناه بالدّموع.!.. وفي تلك اللّحظة أدرك "فادي" الصّغير حقيقة ما حصل في تلك اللّيلة.!.. فجأة اختلفت تلك المسرحيّة عن كلّ المسرحيّات الميلاديّة.
صرخ فادي: انتظر يا يوسف.!.. لا تذهب.!..، "عد بمريم".!.. وأشرق وجه الصّغير بابتسامة قائلاً: "أقدّم لكما غرفتي".!..
يا للتحوّل غير المتوقّع للقصّة المعروفة من الجميع.!..
ويدعونا تصرّف "فادي" إلى التّفكير العميق. ماذا كنّا نحن لنفعل لو كنّا في بيت لحم من 2000 عام.؟!.. بالأحرى، ماذا نفعل اليوم عندما نواجه ظرفاً مماثلاً.؟!.. في عالمنا اليوم، يوجد العديد من أصحاب الفنادق القساة، غير العالمين أنّ "مريم" ستلد مخلّص العالم. كلّ ما يعرفونه، أنّها امرأة قرويّة ستضع مولوداً جديداً في هذا العالم، وسينصرفون إلى شؤونهم الخاصّة.!..
كم واحد منّا ليس لديه وقت ليدخل المسيح إلى حياته.؟!.. في عطلاتنا وبين رفاقنا.؟!.. كم منّا ليس لديه وقت ليدخل المسيح إلى جداول يوميّاتنا المضغوط. هل سيكون لدينا عيون لنرى المسيح آتياً إلينا بشكل غير متوقّع في وسط حياتنا المشحونة بالمشاغل. لست أشير إلى أن يكون للمسيح وقت ضمن جداولنا اليوميّة فقط، بل أن نبدأ من هناك لنخصّص كلّ يوم وقتاً للصّلاة والهدوء، وكلّ أحد لأن نلتقي المسيح في القدّاس الإلهيّ.
وماذا عن دخول المسيح إلى حياتنا في أوقات غير متوقّعة.؟!.. القصّة الميلاديّة، من وجهة نظر صاحب الفندق، هي أكثر من أن يكون لدينا عينان لنرى المسيح آتياً إلينا ونحن في قمّة مشاغلنا وفي وقت غير مناسب. هل سنرى المسيح في كلّ إنسان نلتقيه يوميّاً.؟!.. يقول الرّبّ:
"مهما فعلمتم بإخوتي هؤلاء الصّغار فبي فعلتم".!..
قد أخطأ "فادي" في تأدية دوره في المسرحيّة الميلاديّة، لكنّه بالتّأكيد كشف الرّسالة الميلاديّة الحقيقة الأساسيّة لجميع الحاضرين.!..
فلنتأمّل في هذا الميلاد كيف بإمكان كلّ واحد منّا أن يقدّم "غرفة" للمسيح ليولد فيها.. فينا... من جديد.!..
صلاة صغيرة نرفعها في هذا الموسم الميلاديّ المبارك:
أيّها الرّبّ يسوع المسيح، لقد أتيت إلينا مرّات كثيرة ولم تجد لدينا مكاناً ترتاح فيه. سامحنا على حياتنا المليئة بالمشاغل، ولهاثنا وراء الفانيات واهتمامنا الباطل بذواتنا. تعال أيّها الرّبّ مجدّداً، تعال جد مكاناً لك وسط قلوبنا المليئة بالأصوات، وأذهاننا المثقلة بالمخاوف الكثيرة. جد مكاناً مهما كان متواضعاً، تستطيع فيه أن تصنع معجزاتك مانحاً إيّانا الفرح والسّلام. فأنت يا سيّدي من تلك الزّاوية الصّغيرة، وذلك الرّكن المهمل، تستطيع أن تزيل التّفاهات، وتُسكت الضجّة والأصوات. تعال لتولد مجدّداً فينا، لنسجد بسلام عميق مع أكثر البشر اتّضاعاً وحكمة. أعِنّا لندخل هذا الموسم الميلاديّ باتّضاع، وفرح، ورغبة عميقة في معرفتك مجدّداً.!.. نعم، يا سيّدي، هبنا ميلاداً داخليّاً، نشاركه مع الجميع بكلّ الأشكال،حيثما دعت الحاجة. ساعد يا الله كلّ واحد منّا، على أن يشارك الآخرين في بركات ميلاد الرّبّ يسوع المسيح، الّذي باسمه يتقدّس العيد ويتبارك، له المجد. آمين.