• 01-1.jpg
  • 01-2.jpg
  • 01-3.jpg
  • 01-4.jpg
  • 01-5.jpg
  • 01-6.jpg
  • 01-7.jpg
  • 01-8.jpg
  • 01-9.jpg
  • 01-10.jpg
  • 01-11.jpg
  • 01-12.jpg
  • 01-13.jpg
  • 01-14.jpg
  • 01-15.jpg
  • 01-16.jpg
  • 01-17.jpg
  • 01-18.jpg
  • 01-19.jpg
  • 01-20.jpg

صفحة المتحدث الرسمي بإسم الكنيسة القبطية الارثوذكسية

+ «هذا الجيل شرير يطلب آية ولا تُعطَى له إلاَّ آية يونان النبي. لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى، كذلك يكون ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل» (لو 11: 30،29).
اختار المسيح يونان النبي آية لهذا الجيل الشرير الذي كان يُخاطبه، ولكل جيل شرير يطلب آية لكي يؤمن، رغم كل الآيات التي صنعها المسيح أمام عيونهم: «العُمْي يُبصرون، والعُرج يمشون،

والبُرص يُطهَّرون، والصُّم يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يُبشَّرون» (مت 11: 5). فمَن هو يونان؟ وما هو قصد الرب من تقديمه آية؟

 

+++

معنى اسم ”يونان“، وموضوع نبوَّته:

 

”يونان“ اسم عبري، نُطقه السليم بالعبرية ”يونه“، ومعناه ”حمامة“. ولقد كان بالفعل وديعاً رقيق القلب مثل الحمامة، لذلك تمنَّع من الذهاب إلى نينوى حتى لا يُبشِّرها بالخراب.

وهو يونان بن أمتَّاي من سبط زبولون(1) (يش 15: 10-16)، من أهالي جتِّ حافر على بعد ثلاثة أميال من الناصرة. فهو من سبط مغمور بين أسباط بني إسرائيل، ومن قرية صُغرى بالقرب من الناصرة التي إليها انتسب المسيح، وقيل عنها باحتقار: «أَمِن الناصرة يمكن أن يكون شيءٌ صالح» (يو 1: 46)!

والأرجح أنه هو المذكور في سفر الملوك الثاني 14: 25، وأنه تنبَّأ في أيام يربعام الثاني ملك السامرة (782-753 ق.م). لذلك فمن المرجَّح أيضاً أن يكون من أبناء الأنبياء الذين درَّبهم أليشع النبي (2مل 6: 1-7).

أما موضوع نبوَّته فكان بخصوص إنقاذ إسرائيل من ظلم السوريين (الأراميين)، إلاَّ أن سِفْره الذي يحمل اسمه - وهو السفر الخامس من أسفار الأنبياء الصغار الاثني عشر - فهو يختلف اختلافاً بيِّناً عن باقي أسفار الأنبياء، في كونه يتضمن قصة يونان وإرساليته إلى شعب غريب - كان في كثير من الأحيان عدوّاً لإسرائيل - ومع ذلك فقد أرسله الله إليهم ليُنذرهم بالهلاك بعد أربعين يوماً إن لم يتوبوا ويرجعوا إلى الله. فصاموا ثلاثة أيام وتابوا توبة عجيبة أوقفت غضب الله؛ وفي ذلك إشارة مُبدعة إلى المصالحة التي كان الله مزمعاً أن يصنعها بين جميع أُمم الأرض في المسيح يسوع، بدم صليبه الذي قدَّمه كفَّارة عن كل العالم، فصالح به الشعب مع الشعوب.

وكان يونان نفسه رمزاً وآية لهذه المصالحة التي تمَّت بموت المسيح ودفنه وقيامته: «لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ» (مت 12: 40).

[يونان رمزٌ بشخصه، يمثِّل المسيح. عماد المسيح دفع به إلى الأربعين المقدسة، والأربعون إلى الصليب ثم القيامة. تماماً كما نزل يونان الماء (إشارة إلى المعمودية)، ثم ذهب إلى نينوى كارزاً لها بالتوبة قائلاً لها: إن المدينة ستهلك بعد أربعين يوماً - كأنما هنا إشارة خفية أن الأربعين يوماً هذه مهمة في تحديدات الله - وكأنها وفاء أقصى مدة محدَّدة للهلاك. ولكن الرب وفَّاها وقضاها في صومه الأربعيني عن البشرية كلها... آية يونان النبي آية الموت، لأن يونان مات في عُرف المنطق والعلم... يونان مات، والرب أقامه... ما أجملك يا يونان يا نبي الفداء وأنت تموت ثلاثة أيام بلياليها لتُكفِّر عن خطيتك وخطية نينوى العظيمة!!](2)

تاريخ مدينة ”نينوى“ وشعبها:

أما هذا الشعب الغريب الذي تاب بمناداة يونان النبي فهو شعب مدينة نينوى. فما هي نينوى التي صارت مثالاً يُحتذى للتوبة الصادقة؟ والتي نجت من الهلاك بكرازة يونان لمدة تزيد على قرن ونصف من الزمان حتى تنبَّأ ناحوم النبي عن خرابها النهائي سنة 612 ق.م!

نينوى كانت مدينة عظيمة عريقة في القِدَم تقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة (بالعراق) مقابل مدينة الموصل الحالية، وكانت قائمة على رابيتين: اسم الواحدة ”حصن نينوى“، واسم الأخرى ”النبي يونس“ (ويُظَن أن بها مدفن النبي يونان)، وهذه الرابية الأخيرة ما زالت آهلة بالسكان. وقد وصفها يونان في سِفْره أنها كانت «مدينة عظيمة لله مسيرة ثلاثة أيام» (يونان 3: 3). ويبدو أنه يقصد بهذا الوصف أنها كانت تأخذ ثلاثة أيام سيراً على الأقدام للوصول إلى كل أطراف المدينة في إرسالية تبشيرية، أما تعداد سُكَّانها فكان أكثر من 120 ألف نسمة.

وقد صارت نينوى عاصمة لدولة أشور في حُكْم سنحاريب (705-681 ق.م)، ومع ذلك، فإنَّ عدداً من الملوك الذين سبقوه بنوا فيها قصوراً ومعابد ومباني فخمة حتى قبل أن تصير عاصمة البلاد(3).

إلاَّ أن كل هذه العظمة لم تَدُم طويلاً، شأنها شأن كل متكبِّر ومتعالٍ. فقد افترى ملوك نينوى وتجبَّروا جداً، وظنوا في أنفسهم أنهم لن يُغلَبوا، وعاملوا الشعوب المهزومة منهم بكل قسوة وضراوة، إلى أن انقلب عليهم ظهر المجن، وأخذت الإمبراطورية الأشورية في التدهور والانحلال في أواسط القرن السابع قبل الميلاد.

ففي سنة 625 ق.م، أعلن نابوبلاسر ملك بابل استقلاله عن نينوى، ثم في 612 ق.م تحالف مع جيرانه أهل مادي وهاجم نينوى ودمَّرها، وساعده على ذلك فيضان دجلة وطغيان مياهه على شوارعها؛ فتحوَّلت المدينة العظيمة إلى أسطورة وانقلب عمرانها إلى آثار وأنقاض. ولم تنفعها توبتها الأولى أيام يونان النبي، لأنها ارتدَّت إلى شرِّها، فصارت أواخرها أشر من أوائلها.

وقد تنبَّأ عن دمار نينوى فيما بعد، ناحوم النبي قائلاً: «هأنذا عليكِ يقول رب الجنود... ويكون كل مَن يراكِ يهرب منكِ، ويقول: خربت نينوى، مَن يرثي لها. من أين أطلب لكِ معزِّين» (ناحوم 3: 7،5)، وصفنيا النبي يقول عنها: «هذه هي المدينة المبتهجة الساكنة المطمئنة القائلة في قلبها: أنا وليس غيري، كيف صارت خراباً، مربَضاً للحيوان. كل عابر بها يُصفِّر ويهز يده» (صفنيا 2: 15). وهكذا يقول سفر الأمثال: «البر يرفع شأن الأُمَّة، وعار الشعوب الخطية» (أم 14: 34).

قصد الرب من تقديم يونان آية:

- يقول بهذا الصدد القديس إيرينيئوس (أسقف ليون - من 130-280م):

+ الله قد سمح بأن يُبتلَع يونان بواسطة حوت كبير، لا لكي يتوارى ويهلك تماماً، ولكن لكي بعد أن يطرحه الحوت يكون أكثر خضوعاً لله، ولكي ما يُمجِّد بالأكثر ذاك الذي أعطاه خلاصاً غير منتظر ولا متوقَّع. وكان ذلك أيضاً لكي يقود أهل نينوى إلى توبة صادقة، فيرجع هؤلاء إلى الرب الذي سيُنقذهم من موت وشيك الوقوع بعد أن ارتعبوا من الآية التي تمَّت في يونان. كما يقول الكتاب عنهم إنهم رجعوا كل واحدٍ عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في أيديهم قائلين: «لعل الله يعود فيندم ويرجع عن حموِّ غضبه فلا نهلك» (يون 3: 9،8).

وبنفس الأسلوب عينه، ومنذ الابتداء، سمح الله أن الإنسان (الأول) يُبتلَع بواسطة الحوت الكبير (إبليس) مُنشئ المخالفة، لا لكي يتلاشى ويهلك تماماً؛ بل لأن الله سبق فأعدَّ طريق الخلاص الذي أكمله الكلمة بواسطة آية (مماثلة) لآية يونان (لو 11: 29)، لكل مَن سيؤمن بالله كيونان ويكون له نفس أحاسيسه من جهة الرب معترفاً به وقائلاً مثله: «أنا عبراني وأنا خائف من الرب إله السماء الذي صنع البحر والبر» (يون 1: 9).

الله قد شاء أن الإنسان إذ ينال الخلاص غير المتوقَّع ويقوم من بين الأموات، يمجِّد الله ويُردِّد كلمة يونان النبوية: «دعوتُ من ضيقي الرب، فاستجابني. صرختُ من جوف الهاوية، فسمعتَ صوتي» (يون 2: 2). الله قد شاء أن يظل الإنسان دائماً أميناً على تمجيده مُقدِّماً له الشكر على الدوام بلا انقطاع من أجل هذا الخلاص الذي ناله منه، حتى لا يفتخر كل ذي جسد أمام الرب (1كو 1: 29).

 

+++

 

 

- أما القديس جيروم (345-419م) فينظر إلى آية يونان من وحي صلاته وهو في بطن الحوت، كما يرى في كرازته لنينوى إشارة إلى قبول الأمم في المسيح وإيمانهم بالثالوث الأقدس، فيقول:

 

+ إن كان يونان يُشبَّه بالمسيح في مدة بقائه في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، فإن صلاته أيضاً يجب أن تُعتبر نموذجاً مُسبقاً لصلاة الرب. إنه بالإيمان فقط حُفِظَ يونان في بطن الحوت، كما حُفِظَ الثلاثة فتية في آتون النار، وكما عَبَرَ الشعب قديماً في البحر على أرضٍ يابسة والماء حولهم كسورٍ عن يمين ويسار، فلم يشكَّ يونان قط في الرحمة الإلهية بل اتجه بكل كيانه إلى الصلاة؛ فأتاه الله بالمعونة حقاً في ”ضيقته“. إنه لم يَقُل ”أصرخ“ بصيغة المستقبل، بل قال: ”صرختُ“ بروح الشكر لِمَا هو فيه.

وكما أن القلب في داخل كل كائن حي، كذلك الجحيم ”الهاوية“ في قلب الأرض. أي أنه كان في عمق التجربة، ومع ذلك لم يشعر بمرارة المياه بل بالحري صدق عنه القول: «مجاري الأنهار تُفرِّح مدينة الله»، وكأنَّ لسان حاله يقول: أنا قد احتملتُ جميع العواصف وحطَّمتُ الدوَّامات الثائرة، لكي أُمكِّن الآخرين من أن يُبحِروا ”فوقي“ بأكثر هدوء وطمأنينة...

(وكأن المسيح يقول مُخاطباً الآب): إنني كإله لم أَحسب نفسي خلسة أن أكون مساوياً لك (في 2: 6)، ولكنني ”طُرِدتُ“ كإنسان، لأني أردتُ أن أرفع إليك الجنس البشري... لقد نزلتُ إلى ”الغمر“ باختياري، فليته لا يُرفض خروجي، وليتني أصعد منه أيضاً باختياري... لقد أتيتُ طواعية كأسير ويجب أن أُحرر الأسرى الذين فيه وأصحبهم معي إلى الحياة... لقد تركتُ عني جلالي الإلهي وحريتي السمائية ونزلتُ لأكون في الهيئة كإنسان، نزلتُ إلى ”مغاليق“ الأرض - التي هي كأقفال السفينة - أو كرُبطٍ أبدية... إن جسدي هذا - الذي يمكن أن نمسكه بين طرفي أصبعين منا أي التراب - قد ”أصعدته“ لأنه «لابد أن يلبس عدم فساد» (1كو 15: 54)... جسدي هذا الأسير في أحشاء الحوت، يُفقدني كل رجاء في حياتي، ومع ذلك فكل ما يبدو مستحيلاً قد تجاوزته بمجرد ذِكْرِى الآب الذي هو كل رجائي... وهأنذا أنذر الذين يتمسكون ”بأباطيلهم“: إن الرحمة ستهجرهم كما لو كانوا أذنبوا إليها...

لقد وعدنا الرب في آلامه بـ ”الخلاص“، فعلينا ألاَّ نُظْهِره كاذباً. لقد طلب الرب في صلاته كل هذا وهو في بطن الحوت (الأرض) الذي قال عنه أيوب أيضاً: «ليلعنه لاعنو اليوم المستعدُّون لإيقاظ التنين» (أي 3: 8). لذا أمر الله التنين والجحيم أن يُعيد المخلِّص إلى الأرض حتى يصحب معه جمهوراً كبيراً إلى النور والحياة.

كان عقاب الحوت ليونان تقويماً أكثر منه تعنيفاً، وهو لم يكن بعد بحاجة إلى أمر آخر، لذا حين كلَّمه الله أيضاً قام وذهب إلى نينوى ودخل المدينة العظيمة وهي مسيرة ثلاثة أيام، ولكنه بعد مسيرة يوم واحد فقط أي (بعد أن سار) ثُلث المدينة بلغ كلامه إلى أرجائها. وهكذا نقول إن الرب بعد صعوده، بعث الرسل ليُعمِّدوا في نينوى وغيرها باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد.

هذه هي مسيرتنا التي لثلاثة أيام (عَبْرَ القبر)، وهذا هو سر خلاصنا الذي في مسيرة الإيمان بالإله الواحد (المُقام من بين الأموات). وإني لمتعجِّب أشد العجب لأن الكلمة ”شالوش“ في العبرية تُعطي مفهوماً جديداً يؤيِّد هذا التفسير، فهي تعني ”ثالوث“، أو هكذا كان على النبي أن يُنادي بتوبة جديرة بهذه الكرازة (بالثالوث الأقدس)، كي ما يشفي الضربات العتيقة المتقيِّحة بعطور كريمة معتَّقة تماماً، كما أن رقم الأربعين (الذي أنذر بها الرب نينوى أن تنقلب بعده إن لم تَتُب) يُناسب الصوم والصلاة والمسوح بالنسبة للخطاة، وهي بعينها أسلحة التوبة وملاذ التائهين. وبتوبة نينوى العجيبة هذه استُجيب تساؤل إشعياء النبي القائل: «هل تمخض بلاد في يوم واحد أو تولد أُمة دفعة واحدة» (إش 66: 8).

إن الرب في زماننا هذا أيضاً يُنذر (نينوى) وكل العالم أن يتوبوا، وحينما نُغيِّر أعمالنا (الرديئة) سيُغيِّر هو حُكْمه بكل سرور. إنه يُثابر على دعوته، لأنه يريد خيرنا منذ الابتداء، وهو لا يُضمر شرّاً لأنه لو كان يريد أن يُعاقِب لما تكلَّم بأسلوب الإنذار.

بعد ذلك اغتمَّ يونان غمّاً شديداً، ولعل لسان حاله كان يقول: ”إنني الوحيد بين طائفة الأنبياء الذي تمَّ اختياري لكي أُعلِن هلاك شعبي عن طريق خلاص الآخرين، والآن يا رب خُذ نفسي لأنني في حياتي لم أستطع أن أُخلِّص شعباً واحداً الذي هو إسرائيل، فلأمُت أنا، وبموتي يخلُص الجميع“.

لقد كانت اليقطينة التي أعدَّها الله لتُظلِّل على يونان رمزاً لإسرائيل الذي شُبِّه بهذا النبات، لأنه في وقتٍ ما، احتمى النبي بظلها كخادم لتوبة الأُمم وسبَّب له ذلك سروراً عظيماً، ولكنها كانت بمثابة مظلة واقية وليست منزلاً، لأنها امتدَّت فقط كسطح ليس له أساسات، فارتفعت قليلاً ولم تبلغ إلى العُلو الذي يرفع أعيننا إلى السماء. وقبل طلوع شمس البر، ازدهرت الظلال ولم يكن إسرائيل شجرة يابسة بعد، ولكن بعد هذا الشروق حينما تبدَّدت ظلمات نينوى بنوره، جفَّت الشجرة وعاد يونان يحترق، وطلب الموت لنفسه من جديد، وأراد أن يموت في البحر (في المعمودية) مع إسرائيل، لكي بهذا الجحيم يقتبل عُصارة الحياة التي فقدها أولاً برفضه. وفي الواقع، فإن مخلِّصنا لم يعمل لإسرائيل مثلما عمل للأمم، فقد صمم الرب أن هذا الشعب (نينوى) يكبر وينمو، وهو قد مات لأجل أن يعيش هو (أي الأمم)، ونزل إلى الجحيم من أجل أن يُصعِده إلى السماء. هذه هي نينوى العظيمة رمز الكنيسة التي عدد سكانها يربو على عدد أسباط إسرائيل ويمتد إلى أقاصي المسكونة. +