أولاً : مفهوم الكبرياء ..
+ الكبرياء هي تضخيم الإنسان لذاته، واعتقاده أنه مركز الوجود فيستعلي على الله والناس. في اللغة، الكبرياء مأخوذة من "الكِبْر"، أي العظمة والتعالي. وفي الفكر الروحي المسيحي، الكبرياء هي "رفض التواضع وعدم الاتكال على الله، والاعتداد المفرط بالذات". الكبرياء هي أصل السقوط الأول، إذ يقول الكتاب عن سقوط الشيطان {قد ارتفع قلبك فقلت أنا إله} (حز 28: 2). لهذا طرح الله الشيطان وسقط من رتبته الملائكية { قَدِ ارْتَفَعَ قَلْبُكَ لِبَهْجَتِكَ. أَفْسَدْتَ حِكْمَتَكَ لأَجْلِ بَهَائِكَ. سَأَطْرَحُكَ إِلَى الأَرْضِ، وَأَجْعَلُكَ أَمَامَ الْمُلُوكِ لِيَنْظُرُوا إِلَيْكَ. }(حز ٢٨: ١٧) لهذا يحذرنا الكتاب من الكبرياء { قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح}( أم ١٦:١٨). الكبرياء مرتبطة بالخطية، لأنها تضع الإنسان في مركزٍ بديل عن الله، فينغلق عن النعمة.
+ وفي علم الاجتماع الكبرياء تُدرس بوصفها سلوكًا اجتماعيًا يُظهر تعالي الفرد على الآخرين، مما يخرب العلاقات الاجتماعية بسبب شعور الآخرين بالإهانة أو الإقصاء. وتنتج عنها الصراعات إذ يستعمل الأقوياء أو ذوى النفوذ او السلطة أو الأغنياء الكبرياء لإخضاع غيرهم. فتغيب روح التضامن الاجتماعي، وتضعف روح التعاون والمحبة وتاتي العزلة وفقدان الثقة بين الناس.
ثانياً: الكبرياء في الكتاب المقدس
يعرض الكتاب الكبرياء كأصل الشرور وسبب لسقوط الشيطان: { كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح؟ ... وأنت قلت في قلبك: أصعد إلى السماوات... أصير مثل العلي} (إش 14: 12-14). الكبرياء سبب سقوط الإنسان الأول حين أغوت الحية حواء قائلة: { تصيران كالله عارفين الخير والشر} (تك 3: 5). لهذا جاء المسيح متواضع ووديع وبتواضعه هزم كبرياء إبليس وجنوده { الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه، آخذاً صورة عبد} (في 2: 6-7).
ثالثاً: خطورة الكبرياء
+ روحياً الكبرياء تعزل النفس عن الله { الله يقاوم المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة} (يع 4: 6). ونفسياً تؤدي إلى العزلة والاضطراب، إذ يعيش الإنسان في صراع داخلي ليبرر ذاته أو يثبت تفوقه. وعلم النفس يشير إلى أن الكبرياء المَرَضية ترتبط غالباً بآليات دفاعية لإخفاء الشعور بالنقص. وأجتماعياً تفكك العلاقات الإنسانية، لأنها ترفض المساواة، وتحتقر الآخر. أما الأخطر فأبدياً، فان الكبرياء تحرم الإنسان من الملكوت، لأنها تجعل قلبه مغلقاً عن نعمة الله.
رابعاً: أقوال الآباء عن الكبرياء وامثلة لهلاك المتكبرين
- يقول القديس الأنبا أنطونيوس "رأيت فخاخ العدو مبسوطة علي الأرض كلها فتنهدت وقلت: من ينجو منها؟ فجاءني صوت: المتواضعون ينجون".
- يرى القديس أغسطينوس أن الكبرياء راس الخطايا «رأس كل خطيئة هو الكبرياء، وبالتواضع فقط نقتني الشفاء» (اعترافات اغسطينوس).
- يرى القديس يوحنا ذهبي الفم أنه «لا شيء يثير غضب الله مثل الكبرياء، ولا شيء يجذب نعمته مثل التواضع».
+ أمثلة كتابية ورجال الله
- فرعون: رفض إطلاق شعب الله وقال: {من هو الرب حتى أسمع لقوله؟} (خر 5: 2) فسقط وهلك بالغرق في البحر.
- ونبوخذنصر: افتخر بمملكته، فضُرب بالجنون حتى اعترف بأن { الذين يسلكون بالكبرياء هو قادر أن يذلهم} (دا 4: 37).
- هيرودس: قبل تسبيح الناس له كإله { فضربه ملاك الرب لأنه لم يعطِ المجد لله} (أع 12: 23).
- في المقابل، موسى كان { حليماً جداً أكثر من جميع الناس} (عد 12: 3)، فرفعه الله.
خامساً: علاج الكبرياء
1- العلاج الروحي
* التأمل في المسيح المتواضع: { تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب}(مت 11: 29).
* الاعتراف المستمر بالضعف: الصلاة القلبية "ارحمني يا الله أنا الخاطئ" تحرر النفس من خداع الذات.
* ممارسة سر الاعتراف والتناول: يعيد الإنسان إلى حالة التواضع والشركة مع الله.
* الطاعة والاتضاع العملي: كما يقول القديس يوحنا كاسيان: «الطاعة هي دواء الكبرياء».
2- العلاج النفسي والاجتماعي
* الوعي الذاتي وادراك أن الكبرياء تغطية للشعور بعدم الأمان وادارك ان الله لن يسند ويعين المتواضعين.
* العلاقات المتوازنة والانفتاح على الآخر، وقبول النقد، والتعلم من الجميع.
* خدمة الآخر: المشاركة في أعمال الرحمة تذيب الأنا.
3 - التواضع علاج للكبرياء
- التواضع يمنح سلام داخلي، وحرية من قيود المقارنة والتنافس {مُهْتَمِّينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ اهْتِمَامًا وَاحِدًا، غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِالأُمُورِ الْعَالِيَةِ بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى الْمُتَّضِعِينَ. لاَ تَكُونُوا حُكَمَاءَ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ}(رو ١٢: ١٦)
- شركة أعمق مع الله الذي يرفع المتواضعين{ وَلكِنَّهُ يُعْطِي نِعْمَةً أَعْظَمَ. لِذلِكَ يَقُولُ: «يُقَاوِمُ اللهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً».} (يع ٤: ٦)
- علاقات اجتماعية بنّاءة مبنية على المحبة والمساواة { فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ، أَنَا الأَسِيرَ فِي الرَّبِّ: أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ الَّتِي دُعِيتُمْ بِهَا. بِكُلِّ تَوَاضُعٍ، وَوَدَاعَةٍ، وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ.} (أف ٤: ١، ٢)
المراجع
- الكتاب المقدس
- القديس يوحنا الدرجي، سلم الفضائل.
- القديس أغسطينوس، الاعترافات.
- يوحنا ذهبي الفم، العظات على إنجيل متى.
- كتاب "بستان الرهبان"، تعاليم الآباء.
- القمص تادرس يعقوب ملطي، تفسير أسفار الكتاب المقدس.
- أنطوني كونيارس، الكبرياء والتواضع.

