تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

مخافة الله باللغة العبرية تعني "יִרְאָה" (يرأه) تعني وقار وتقدير نابع من إدراك قداسة الله { مَخَافَةُ الرَّبِّ رَأْسُ الْمَعْرِفَةِ، أَمَّا الْجَاهِلُونَ فَيَحْتَقِرُونَ الْحِكْمَةَ وَالأَدَبَ.} (الأمثال ١: ٧). وتأتي "פַּחַד" (فَحَد) بمعني خوف أو رهَب أو ذعر من خطر أو دينونة كما جاء في المزمور { خَوْفٌ وَرَعْدَةٌ أَتَيَا عَلَيَّ، وَغَشِيَنِي رُعْبٌ. فَقُلْتُ: «لَيْتَ لِي جَنَاحًا كَالْحَمَامَةِ، فَأَطِيرَ وَأَسْتَرِيحَ! }( مز ٥٥: ٥، ٦). وفي اللغة اليونانية فان مخافة الله تدل على التوقير { وَأَمَّا الْكَنَائِسُ فِي جَمِيعِ الْيَهُودِيَّةِ وَالْجَلِيلِ وَالسَّامِرَةِ فَكَانَ لَهَا سَلاَمٌ، وَكَانَتْ تُبْنَى وَتَسِيرُ فِي خَوْفِ الرَّبِّ، وَبِتَعْزِيَةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ كَانَتْ تَتَكَاثَرُ.} (أع ٩: ٣١) وتأتي المخافة بمعني توقير او تقوى الله {فَإِذْ لَنَا هذِهِ الْمَوَاعِيدُ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ. }(٢ كو ٧: ١). وهناك نوعان من المخافة، خوف العقوبة كبداية طريق التوبة. والخوف البنوي وهو أحترام مُحبّ لا يتعارض مع الثقة، ويلازم النضج الروحي.

اولاً: مخافة الله في الكتاب المقدس

+ المخافة لله كبداية المعرفة لله { رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ. فِطْنَةٌ جَيِّدَةٌ لِكُلِّ عَامِلِيهَا. تَسْبِيحُهُ قَائِمٌ إِلَى الأَبَدِ. }(مز ١١١: ١٠). والمخافة هي عطية من الله { وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ.} (إش ١١: ٢). ومخافة الله طريق البركة والفرح {طُوبَى لِكُلِّ مَنْ يَتَّقِي الرَّبَّ، وَيَسْلُكُ فِي طُرُقِهِ.  لأَنَّكَ تَأْكُلُ تَعَبَ يَدَيْكَ، طُوبَاكَ وَخَيْرٌ لَكَ.} (مز ١٢٨: ١، ٢)

+  في العهد الجديد

تميزت الكنيسة منذ تاسيسها في عصر الرسل بالسير في خوف الرب وتعزية الروح القدس (أع ٩: ٣١). كما اوصى الرسل المؤمنين بان يتمموا خلاصهم بخوف الله { إِذًا يَا أَحِبَّائِي، كَمَا أَطَعْتُمْ كُلَّ حِينٍ، لَيْسَ كَمَا فِي حُضُورِي فَقَطْ، بَلِ الآنَ بِالأَوْلَى جِدًّا فِي غِيَابِي، تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، }(في ٢: ١٢). ومخافة الله تتكامل مع محبته والمحبة تطرح الخوف من العقوبة الي خارج وتنمي توقيرنا البنوى لله { بِهذَا تَكَمَّلَتِ الْمَحَبَّةُ فِينَا: أَنْ يَكُونَ لَنَا ثِقَةٌ فِي يَوْمِ الدِّينِ، لأَنَّهُ كَمَا هُوَ فِي هذَا الْعَالَمِ، هكَذَا نَحْنُ أَيْضًا. لاَ خَوْفَ فِي الْمَحَبَّةِ، بَلِ الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ لأَنَّ الْخَوْفَ لَهُ عَذَابٌ. وَأَمَّا مَنْ خَافَ فَلَمْ يَتَكَمَّلْ فِي الْمَحَبَّةِ. }(١ يو ٤: ١٧، ١٨). المخافة ليست حالة ذعر، بل حضور يقظ وتوقير أمام الله القدوس.

ثانياُ: مخافة الله في تقليد الكنيسة

+ القديس أثناسيوس الرسولي في سيرة أنطونيوس يُبرز أن بداية الطريق عند أنطونيوس كانت بكلمة الإنجيل التي أوقعت في قلبه رهبة مقدّسة، فترك كلّ شيء واتّبع المسيح؛ المخافة هنا قوّة دافعة للزهد والطهارة، لا تشوّهًا نفسيًا.

+ ويميز القديس كيرلس الإسكندري في تفاسيره بين خوف العبيد وخوف الأبناء؛ فبنعمة التبنّي في المسيح نعبد «بالروح والحق»، وتبقى المهابة تحفظ القلب من التهاون.

+ يربط القديس ديديموس الضرير بين الابتهاج بالرب ومخافته فالفرح الحقيقي وليد الوقار، لأن المخافة تحفظ الذهن من التسيّب.

+ ويقول القديس أنطونيوس الكبير أن المخافة هي حارس الوصايا؛ تثبت بالسهر، وتمييز الأفكار، والاتّضاع.

أما القديس مقاريوس الكبير فيصف انتقال النفس من خوف الدينونة إلى خوف المحبّة حين يسكن الروح في القلب؛ عندئذٍ «تخاف أن تُحزن الروح»، لا أن تُعاقَب فحسب. أما القديس الأنبا شنّوده رئيس المتوحدين فيشدّد على وقار الحياة المشتركة؛ المخافة نظامٌ داخليّ يضبط اللسان والجسد والعمل. ويربط القديس الأنبا باخوميوس بين المخافة بالطاعة والميثاق؛ علامة المخافة الطاعة السريعة وفرح الخدمة. ويذكر «بستان الرهبان" لنا قصص كثيرة تُظهر أن مخافة الله تُثمر صدق الضمير، الصمت، حفظ الفكر، والرحمة.

+  وفي الليتورجيا القبطية يكرر النداء الدياكوني المتكرّر: «قِفوا بخوف الله وانصتوا لسماع الإنجيل المقدّس» وفي القداس نصلى «امنحنا أن نخدمك بكل طهارة وبرّ». وفي الأجبية: مزامير كثيرة تحس علي المخافة لله (مثلاً مز 19، 25، 51، 130)، وتجعلها عادة قلبيّة يوميّة.

ثالثًا: الفوائد الروحيّة–النفسيّة والأخلاقيّة لمخافة الله

  • بداية الحكمة والتمييز: تمنع التهوّر وتفتح الذهن للتعلّم (أم 1: 7).
  • حراسة القلب: تولّد السهر الداخلي وحفظ الحواس، فتقلّل الاشتهاء والاندفاع.
  • مولّدة للاتّضاع: من يقف أمام الله القدوسٍ «نار آكلة» لا يتّكل على ذاته.
  • دافع للاستقامة والعدالة والرحمة: من «يخاف الله» يحسن إلى الضعيف «لأن عيني الرب على خائفيه».
  • توازن نفسيّ: تقي من «التسيّب» كما تبعد منا «الخوف المرضي»؛ فهو وقارٌ مطمئن لا قلقٌ مزعج.
  • تقديس العبادة: تحوّل الطقوس إلى دخول واعٍ إلى الحضرة الإلهية.
  • قوة ضد الرياء: لأن المخافة تُحَسِّس الضمير بحضور الله أكثر من حضور الناس.

رابعاً: كيف نقتني مخافة الله ونحياها يوميًا؟

(أ) مسار تكويني عملي

  • توبة واعية ومحاسبة نفس: مراجعة يومية أمام الله (مز 139: 23–24) تُنقّي الخوف من العقوبة إلى خوف محبّة.
  • تغذية كتابيّة: حفظ آيات «المخافة–المحبّة» (مز 111: 10؛ عب 12: 28؛ 1 يو 4: 18) وتلاوتها في الصلاة.
  • الليتورجيا والأسرار: الاقتراب بوقار وتقوى من الإفخارستيا، فالليتورجيا معلم لمخافة الله.
  • إرشاد أب اعتراف: يميّز بين الضمير الحسّاس والموسوس؛ يحوّل الخوف إلى غيرة مستقيمة.
  • الهدوء والصمت والسهر الذهني : الحضور الواعي أمام الله يُثبّت الوقار.
  • أعمال الرحمة والعدل: «مخافة الرب» تُترجم إلى رحمة ملموسة؛ كلّما أحببت أكثر «خفتُ أن أحزن قلب الله».
  • تذكُّر الآخرَة: «اذكر آخرتك» (سير 7: 36) يطهّر الدوافع دون تهويل.
  • اتّضاع عملي: إقرار بالعجز مع رجاء: «بدونك لا أقدر… ومعك أستطيع» (يو 15: 5؛ في 4: 13).

(ب) تمارين روحيّة مختصرة

  • خمسة دقايق صباحًا: وقفة صامتة أمام الله مع صلاة «يا رب، امنحني قلبًا يهابك ويحبّك».
  • قبل ان تتأخذ قرار: سؤالان: «هل يُسرّ الله بهذا؟ هل فيه محبّة لله وللقريب؟»
  • مزمور اليوم: اختر عددًا واحدًا عن المخافة وردّده طوال اليوم.
  • فحص في المساء: كيف تصرّفتُ كعبد خائف من العقوبة؟ أو كابنٍ يخاف أن يحزن الآب؟ ثمّ نقدم توبة مختصرة.

خامساً: الجمع بين «المخافة» و«المحبّة»

  • ترتيب تربوي: عادةً يبدأ الإنسان بـالخوف من الدينونة الذي يوقظه من الغفلة؛ ومع نعمة الروح ينمو إلى خوف البنوة حيث يبقى الوقار ويزول الخوف.
  • لاهوتيًا: بالاتّحاد بالمسيح نعيش البنوة لله(رو ٨)، فتُطرح «مخافة العقوبة» (1 يو 4: 18)، لكن الوقار يبقى لأن الله «قدّوس»؛ الابن يحبّ ويوقّر الله.
  • آبائيًا: يعلّمون الآباء أن «المخافة تحرس المحبّة والمحبّة تنقّي المخافة»؛ فكلّما ازددنا محبّة ازددنا حساسيّة لعدم إهانة الله القدوس.
  • رعويًا: العلاج من التطرف: ضدّ التسيّب: بالتذكير بقداسة الله، وضدّ القلق الروحي: بتأكيد الأبوة والنعمة والغفران، وإعادة تشكيل صورة الله في الذهن من «ديّان عادل فقط» إلى «أب قدّوس محبّ».

+ إن مخافة الرب هي نور حضور الله داخل النفس ومعها تبدأ كجرس إنذار للخاطئ، وتنضج كوقارٍ بنوي يحرس المحبّة. في التقليد القبطي، صارت المخافة مدرسةً للاتّضاع والتمييز عبر كلمة الله والليتورجيا، حيث يتعلّم القلب أن يقف أمام إلهٍ نارٍ آكلةٍ دون رُهاب، بل بمحبّة تُمسك بايدينا كابناء وتقودنا في موكب نصرته وترافقنا للابدية.

مراجع

  • الكتاب المقدس
  • أثناسيوس الرسولي، سيرة القديس أنطونيوس.
  • القديس أنطونيوس الكبير، الرسائل
  • مقاريوس الكبير، العظات الروحية.
  • شنّوده رئيس المتوحّدين، قوانين وخطب (الطاعة والوقار في الحياة المشتركة).
  • ديديموس الضرير، شروح على المزامير/الروح القدس.
  • كيرلس الإسكندري، تفسير إنجيل يوحنا والتجسّد.
  • بستان الرهبان.
  • نصّ القداس الباسيلي والغريغوري في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
  • الأجبية: مزامير وصلوات السواعي.

 ✍ صفحة مقالات أبونا إفرايم الأنبا بيشوي