تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

للجمال في الكتاب المقدس مفهوم روحي عميق فهو ليس فقط في الطبيعة أو في الجسد، بل في الروح والأعمال فيتجاوز المظهر الخارجي ليصل إلى الجوهر، حيث يرى الفكر المسيحي أن الجمال الحقيقي هو انعكاس لمجد الله وصورته في الإنسان والخليقة.

أولاً:  مفهوم الجمال في الكتاب المقدس وفكر الآباء

١- الجمال في الله نفسه

 إن الله هو مصدر كل جمال، لأنه "البارع في جماله" (مز 45: 2). كل بهاء في الخليقة هو ظل ضعيف يعكس { بهاء مجده ورسم جوهره} (عب 1: 3). لذلك فالمسيحية ترى أن كل جمال أرضي يقود العين والعقل إلى إدراك الجمال الإلهي غير المحدود.

٢- الجمال في الإنسان

 خُلق الله الإنسان على {صورة الله ومثاله"} (تك 1: 27). وبعد أن خلق الله الإنسان { رَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا. }(تك ١: ٣١) وبالتالي فالانسان  يحمل في داخله البهاء الإلهي. وجماله لا يُقاس بالمظهر الجسدي، بل بنقاوة القلب: {الحُسن غِش والجمال باطل، أما المرأة المتقية الرب فهي تُمدح} (أم 31: 30). الفضائل الروحية مثل المحبة، الوداعة، الطهارة، والقداسة  هي التي تُكسب الإنسان الحسن الحقيقي والبهاء الروحي. لذلك يوصى الكتاب النساء بالاهتمام بجمال ووداعة الروح {وَلاَ تَكُنْ زِينَتُكُنَّ الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ، مِنْ ضَفْرِ الشَّعْرِ وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَلِبْسِ الثِّيَابِ، بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِي هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ.} (١ بط ٣: ٣، ٤).

٣- الجمال في الخليقة

 الخليقة كلها تشهد لمجد الله وبهائه { السماوات تُحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه}(مزمور 19: 1). فعندما نرى الأشجار والورود في جمالها وزنابق الحق في رونها نسبح الله الخالق الأعظم { وَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِاللِّبَاسِ؟ تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو! لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ. وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ وَلاَ سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا. }(مت ٦: ٢٨، ٢٩). فالطبيعة بجمالها وتناسقها ترفع فكر الإنسان نحو خالقها، فتجعله يسبح عظمة الله. المسيحية تفرّق بين التمتع بالجمال الطبيعي وبين عبادة المخلوقات، فهي تدعو إلى النظر عبر الجمال لا التوقف عنده.

٤- البهاء في المسيح

ربنا يسوع المسيح هو الأبرع جمال في محبته وفدائه وبهائه { أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي الْبَشَرِ. انْسَكَبَتِ النِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ، لِذلِكَ بَارَكَكَ اللهُ إِلَى الأَبَدِ.} (مز ٤٥: ٢). وفي التجلي ظهر مجد المسيح حيث { أضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور} (مت 17: 2). بهاء المسيح هو المثال الأعلى للجمال الروحي الذي يُنير لنا الطريق ونعيش معه مذاقة الملكوت.

٥- أقوال الآباء عن الجمال

  • يقول القديس اثناسيوس الرسولى" المسيح هو بهاء الآب، الذى في نوره نعاين النور."
  • ويقول القديس أغسطينوس: "تأخرت في محبتك، أيها الجمال القديم الجديد."
  • اما القديس باسيليوس الكبير فيقول "الجمال الذي في الخليقة هو دعوة إلى معرفة الخالق."

ثانياً : المفهوم النفسي والروحي

+ يربط علم النفس المسيحي بين الجمال والانسجام الداخلي، فالشخص المتصالح مع الله ونفسه يظهر في سلامه ووجهه إشراق خاص. والجمال الداخلي يولد السعادة الحقيقية، بينما الاعتماد فقط على المظاهر يقود إلى الفراغ وعدم الرضا. والبهاء الروحي يعطي للإنسان حضوراً مشرقاً حتى إن لم يكن مميزاً في ملامحه الجسدية. فالجمال هو إشراق الله في الإنسان والخليقة، والحُسن هو فضيلة القلب النقي، والبهاء هو مجد الله الذي ينعكس على حياة المؤمن. المظهر الخارجي قد يزول، أما الجمال الروحي فهو أبدي، يكتمل في السماء حيث يعاين المؤمنون وجه الله في مجده.

+ يوضح علم النفس الحديث يوضح أن إدراك الجمال له دور مهم في رفع الحالة النفسية فالنظر إلى الطبيعة أو الفن الجميل يخفّض التوتر ويزيد الشعور بالسلام الداخلي. والتأمل في مظاهر الجمال حولنا ينمي القيم الإيجابية ويربط الإنسان بالمشاعر السامية كالامتنان والرحمة. ويعزز العلاقات مشاركة لحظات الجمال مع الآخرين كالإعجاب بمشهد طبيعي أو موسيقى يقوّي الروابط الإنسانية. كما يرى علم النفس الإيجابي أن "حس الجمال" من مصادر السعادة والرضا بالحياة، وهو مرتبط بالقدرة على التأمل والشكر.

+ عندما يعيش الإنسان منفتحًا على الجمال الروحي والإنساني، يرتفع فوق هموم الحياة ويقترب من مصدر السعادة الحقيقية. الجمال يحرر القلب من الأنانية، ويفتحه على الحب والعطاء، لأنه يعكس نور الله في النفس.

ثالثاً:  جمال السماء كما يصفه سفر الرؤيا

 يقدّم سفر الرؤيا لوحة سماوية مملوءة بالجمال الفائق:

عن السماء { المدينة... نقية كالبلور} (رؤ 21: 11).

{ وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا.} (رؤ٢١: ٢). { وكان بناء سورها يشبه يشبًا، والمدينة ذهب نقي شبه زجاج نقي}(رؤ 21: 18). { وكان أساس السور مزينًا بكل حجر كريم} (رؤ 21: 19). { وشارع المدينة ذهب نقي كزجاج شفاف} (رؤ 21: 21). هذا الوصف لا يركّز على الجمال المادي فقط، بل على الجمال الروحي والقداسة حيث لا موت ولا وجع { وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ». وَقَالَ الْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ: «هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيدًا!». وَقَالَ لِيَ: «اكْتُبْ: فَإِنَّ هذِهِ الأَقْوَالَ صَادِقَةٌ وَأَمِينَةٌ». }(رؤ ٢١: ٤، ٥). السماء كمال الجمال لأنها حضور الله الدائم { هوذا مسكن الله مع الناس} (رؤ 21: 3).{ { أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ. وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هذَا الرَّجَاءُ بِهِ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ كَمَا هُوَ طَاهِرٌ.}(١ يو ٣: ٢، ٣)

+ الجمال في الفكر المسيحي ليس مجرد زينة خارجية، بل هو إشراق حضور الله في الخليقة والإنسان. الكتاب المقدس والآباء وعلم النفس يتفقون على أن الجمال يرفع النفس ويمنحها السعادة الحقيقية. والجمال السماوي هو الامتلاء النهائي حيث نعاين الله وجهًا لوجه، ونحيا في نور جماله الأبدي.

المراجع

  • الكتاب المقدس
  • القديس أغسطينوس، الاعترافات.
  • القديس باسيليوس الكبير، عن الروح القدس.
  • يوحنا ذهبي الفم، العظات على إنجيل متى.
  • أنطونيوس فكري، تفسير سفر الرؤيا.
  • C.S. Lewis, The Weight of Glory.
  • Thomas Aquinas, Summa Theologica (عن الجمال والخير).
  • Positive Psychology Journals on beauty and well-being.

 ✍ صفحة مقالات أبونا إفرايم الأنبا بيشوي