تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

تُعَدُّ البساطة إحدى الفضائل المسيحية الأصيلة التي تدعو إلى عيش الحياة بلا تعقيد أو التواء وبدون رياء، في صدقٍ وصفاء القلب، ولكن البساطة تحتاج إلي الحكمة حتى لا تتحول إلى سذاجة أو سطحية. فالبساطة الإنجيلية ليست ضعفًا في الفكر، بل هي نقاوة القلب المنفتح على الله والناس، والممتزج بالفطنة الروحية والتمييز.

اولاً: البساطة في الكتاب المقدس وفكر الاباء

  • يدعونا الكتاب المقدس للبساطة { سيروا في بساطة، وامشوا في أمان}(أم ١٠:٩). ويُعلّم أن تقترن البساطة بالحكمة فبدون حكمة قد ينخدع { اللبسيط يصدق كل كلمة، أما الذكي فينتبه إلى خطواته}(أم ١٤:١٥).
  • السيد المسيح اوصانا بالبساطة المقرونة بالحكمة { كونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام ( مت ١٠:١٦). أي نجمع بين النقاوة والحكمة والتمييز. ويريد منا ان نكون بسطاء نبتعد عن الشر { سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِمًا، فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ!} (مت ٦: ٢٢، ٢٣)
  • ولهذا فان القديس بولس الرسول يمدح المؤمنين في كورنثوس قائلاً: { أفرح أنكم بسطاء في الشر، ولكن حكماء في الخير}( ١كو ١٤:٢٠). ومدح الرسول البساطة والاخلاص في التصرف المملوء نعمة من الله {لأَنَّ فَخْرَنَا هُوَ هذَا: شَهَادَةُ ضَمِيرِنَا أَنَّنَا فِي بَسَاطَةٍ وَإِخْلاَصِ اللهِ، لاَ فِي حِكْمَةٍ جَسَدِيَّةٍ بَلْ فِي نِعْمَةِ اللهِ، تَصَرَّفْنَا فِي الْعَالَمِ، وَلاَ سِيَّمَا مِنْ نَحْوِكُمْ. (٢ كو ١: ١٢) ولهذا يدعونا للحكمة لئلا يفسد ابليس بساطتنا {وَلكِنَّنِي أَخَافُ أَنَّهُ كَمَا خَدَعَتِ الْحَيَّةُ حَوَّاءَ بِمَكْرِهَا، هكَذَا تُفْسَدُ أَذْهَانُكُمْ عَنِ الْبَسَاطَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ.} (٢ كو ١١: ٣).

 + البساطة في فكر آباء الكنيسة

  • يطلب منا القديس الأنبا أنطونيوس البساطة الممزوجة بالحكمة " البساطة تحفظ الإنسان في محبة الله، والحكمة تحفظ المؤمن من خداع الشياطين".
  • ويري القديس يوحنا الذهبي الفم أن البساطة هي “شفافية القلب” أي العيش بلا نفاق أو التواء، لكنها لا تعني السذاجة بل “التمييز مع النقاوة”.
  • ويميز القديس أغسطينوس بين البساطة المسيحية والسذاجة قائلاً: “البساطة فضيلة، أما السذاجة فجهل، والله لم يدعنا إلى الجهل بل إلى نور الحكمة.”
  • ويؤكد القديس باسيليوس الكبير أن البساطة تجعل الإنسان محبوبًا عند الله والناس لأنها صورة من صفاء القلب.

ثانياً: البساطة في علم النفس البشري

علم النفس يفرّق بين البساطة الصحية (Healthy simplicity) التى هي العيش في وضوح داخلي، والتعبير الصادق عن الذات، وتعكس شخصية متزنة قادرة على اتخاذ قرارات مباشرة بلا التواء. والسذاجة (Naivety). التى هي نقص في الوعي أو الفطنة، تجعل الإنسان عرضة للاستغلال. فالبساطة الناضجة ترتبط بالصدق، والقدرة على بناء علاقات إنسانية أصيلة خالية من التعقيد النفسي والعقد، وترتبط بما يسميه علماء النفس "الذكاء العاطفي" حيث يجمع الإنسان بين القلب البسيط والعقل الواعي.

ثالثاً: نماذج من حياة القديسين

  • القديس الأنبا باخوميوس: بالرغم من بساطته الفائقة في التعامل مع الرهبان، كان حكيمًا في تنظيم الشركة الرهبانية الأولى.
  • القديس البابا كيرلس السادس: معروف بصلاته البسيطة العميقة، وفي نفس الوقت تميّز بحكمة روحية جعلته مرشدًا روحياً للشعب يتمتع بروحانية وشفافية.

رابعاً: كيف نحيا البساطة بلا تعقيد ولا سذاجة؟

  • الاتحاد بالمسيح: أن تكون حياتنا مخفية في المسيح، فنعيش بصفاء القلب { مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي. (غلا ٢: ٢٠).
  • الصدق مع الذات والآخرين: لا نخفي نوايانا بل نتعامل بنقاء. { لأَنَّ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحِبَّ الْحَيَاةَ وَيَرَى أَيَّامًا صَالِحَةً، فَلْيَكْفُفْ لِسَانَهُ عَنِ الشَّرِّ وَشَفَتَيْهِ أَنْ تَتَكَلَّمَا بِالْمَكْرِ، }(١ بط ٣: ١٠)
  • التمييز الروحي: الصلاة وقراءة الكتاب المقدس تعطيان الإنسان بصيرة لئلا تخدعه المظاهر.
  • التواضع: البسيط الحقيقي لا يتكبر ولا يتصنع.
  • الابتعاد عن التعقيد النفسي: عدم تحميل الأمور أكثر مما تحتمل.
  • الحكمة في التعامل: استخدام العقل والتمييز في مواجهة المواقف، فلا نسمح لاحد باستغلال بساطتنا في المسيح من أجل خداعنا بالشر والمكر.

خامساً: أشكال وأنواع البساطة في حياتنا

  • البساطة في الفكر: التفكير المباشر بلا تعقيد زائد.
  • البساطة في العلاقات: التعامل بمحبة وصدق بعيدًا عن النفاق.
  • البساطة في العبادة: الصلاة بكلمات قليلة لكن من قلب صادق.
  • البساطة في العطاء: تقديم المحبة والخير بلا حساب أو انتظار مقابل.
  • البساطة في المظهر والحياة اليومية: الاكتفاء بما هو ضروري دون تكلف أو تظاهر.

البساطة المقترنة بالحكمة هي الطريق الإنجيلي للحياة المسيحية المتوازنة بقلب نقي بلا رياء، وعقل واعٍ مميّز. البساطة هي فضيلة تجعل الإنسان قريبًا من الله، محبوبًا من الناس، وسعيدًا في ذاته. فمن يسلك بهذه الروح يعيش حرًا من التعقيد والعقد، وفي الوقت ذاته محميًا من السذاجة والانخداع.

القمص أفرايم الانبا بيشوى

المراجع

  • الكتاب المقدس
  • يوحنا ذهبي الفم، عظات على إنجيل متى.
  • القديس أغسطينوس، الاعترافات.
  • باسيليوس الكبير، رسائل روحية.
  • أنطونيوس الكبير، أقوال الآباء.
  • وليم جيمس، مبادئ علم النفس.
  • كارل يونغ، البنية النفسية للإنسان.

 ✍ صفحة مقالات أبونا إفرايم الأنبا بيشوي