تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

+ الضمير هو إحدى أهم عطايا الله للإنسان، إذ يُعتبر الصوت الداخلي الذي يرشد الإنسان إلى الخير ويحذّره من الشر في حياته اليومية وتصرفاته. وقد عبّر الكتاب المقدس والآباء عن الضمير بكونه شاهدًا داخليًا يرافق الإنسان في مسيرته الروحية والأخلاقية. إلا أن الضمير قد يضعف أو ينحرف ويتأثر بالبيئة او التربية الخاطئة إن لم يتجدد بالنعمة والتوبة والأستجابة لعمل الروح القدس. لذلك، تبرز أهمية تنمية الضمير على ضوء الإعلان الإلهي وفكر الكنيسة لفهم معناه الحقيقي.

أولاً: مفهوم الضمير في الإنجيل ولدي الآباء..

يشار الي الضمير بكلمات مثل القلب { قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي. }(مز ٥١: ١٠). أو"الكِلية" { أُبَارِكُ الرَّبَّ الَّذِي نَصَحَنِي، وَأَيْضًا بِاللَّيْلِ تُنْذِرُنِي كُلْيَتَايَ.} (مز ١٦: ٧). فالقلب او الكلتين هو مركز القرار الأخلاقي الذي يُدين أو يبرر الإنسان. ورد مصطلح الضمير في العهد الجديد ليشير الي الوعي بالذات والحس الروحى بالتصرفات { لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِمًا ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ. }(أع  ٢٤: ١٦). كما يوصي الكتاب بضرورة الحفاظ على "ضمير صالح" وَأَمَّا غَايَةُ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاءٍ.} (١ تيم ١: ٥). الضمير إذن هو شهادة داخلية مرتبطة بالناموس الإلهي، تتأثر بالنعمة أو تنطفئ بفعل الخطية.

وعندما قدم الكتبة والفريسيين امرأة امسكت في ذات الفعل ليجربوه اوقفهم أمام ضميرهم لكى يترك لهم الوقت ليراجعوا ضمائرهم في محضر معرفته لخطاياهم { وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!»  ثُمَّ انْحَنَى أَيْضًا إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى الأَرْضِ.  وَأَمَّا هُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا وَكَانَتْ ضَمَائِرُهُمْ تُبَكِّتُهُمْ، خَرَجُوا وَاحِدًا فَوَاحِدًا، مُبْتَدِئِينَ مِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الآخِرِينَ. وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي الْوَسْطِ. فَلَمَّا انْتَصَبَ يَسُوعُ وَلَمْ يَنْظُرْ أَحَدًا سِوَى الْمَرْأَةِ، قَالَ لَهَا: «يَاامْرَأَةُ، أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟» فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا».} (يو ٨: ٧-١١). هنا نرى الرب الديان العادل والرحيم الذي جاء ليحررنا من الخطية ويهبنا سلامه ومغفرته.

+ ويشبه القديس يوحنا الذهبي الفم الضمير بمحكمة داخلية قائلاً: "حين لا يوجد من يوبخك، يكون ضميرك هو القاضي الذي لا يُخطئ." (عظة على رومية 13). أما القديس باسيليوس الكبير فاعتبر أن الضمير هو "صوت الله في داخل الإنسان"، وبه يميز المؤمن مشيئة الله حتى دون حاجة للشريعة المكتوبة. وقد شدد القديس الأنبا أنطونيوس الكبير على أهمية فحص الضمير قائلاً: "امتحن نفسك كل مساء، وانظر ما فعلت من الخير والشر، لكي تتوب سريعًا عن زلاتك."  أما القديس أغسطينوس فاعتبر الضمير مرآة لحضور الله في النفس، وقال: "حين تهدأ الأصوات من حولك، يبقى صوت ضميرك شاهداً على حق الله في داخلك." وقد شبّه القديس نيقولا كاباسيلاس الضمير بالمصباح الذي يحتاج إلى زيت الفضائل لكي يضيء. اما القديس دوروثيؤس الغزّي فأوصى قائلاً: "احفظ ضميرك نقيًا في الأمور الصغيرة، لكي لا تسقط في الكبيرة." في العصر الحديث، يؤكد الروحيون أن الضمير قد يتأثر بالتربية أو الثقافة، لكنه يُنقّى بالنعمة والإنجيل، ليظل مرآة صافية لصوت الله.

ثانياً : كيفية تقوية الضمير المسيحي

+ الارتكاز على كلمة الله

الكتاب المقدس هو المرجع الأعلى لتصحيح الضمير فهو المرجع للتمييز بين الصواب والخطأ وهو الدستور الأخلاقي للمؤمن ويوجه الضمير للوصايا ويمنعه من الخطأ ويمنح الضمير الأساس والمرجعية علي ضوء الروح القدس وكلام الله فلا يكون ضمير واسع يصف عن البعوضة ويبتلع الجمل او ضمير موسوس يتشكك في أمور مستقيمة { سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي}(مز 119: 105).

+ الفحص الذاتي والمحاسبة اليومية

أوصى الآباء بمراجعة الضمير بانتظام، كما كتب القديس باسيليوس: "لا تذهب للنوم قبل أن تفتش ضميرك." فالضمير يعمل قبل الفعل ليدفع المؤمن ويحثه علي عمل الخير او ينذر من عواقب التصرف الخاطئ ويحكم علي نتائجه وتأثيره.

+ التوبة والاعتراف والصلاة

التوبة تُعيد للضمير صفاءه، وفيها يجلس الإنسان مع نفسه ويحاسبها ويعاتبها وينقي ضميره للاعتراف بثقل خطاياه ويتحرر من ثقل الشعور بالذنب. فان أدنا أنفسنا رضى الديان عنا { إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا.  إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ. }(١ يو ١: ٨، ٩). كما أن الصلاة تجعل الضمير حساسًا لعمل الروح القدس، وتُنشّط قدرته على التمييز.

+ المرشد الروحي

يساعد على توجيه الضمير وتصحيح ما قد يضلّ فيه بسبب الذات أو العادات. كما ان المرشد الروحي يرشد الي ممارسة الفضائل العملية اليومية للمحبة والرحمة والعدل (كو 3: 14).

+ إن الضمير بحسب الكتاب المقدس والآباء هو عطية إلهية ونداء داخلي فينا لحياة مقدسة ترضى الله وفيها نحب الغير ونعمل خير، لكن الضمير يحتاج إلى تغذية دائمة بكلمة الله، وفحص مستمر، وتوبة متجددة، وإرشاد روحي، وممارسة عملية للفضائل. حين يُصان الضمير بهذه الوسائل،  يصبح نورًا يقود المؤمن في مسيرته نحو الاتحاد بالله، ويمنحه سلامًا داخليًا ثابتًا ويكون له بوصلة ومرشد للأمتناع عن الشر وفعل الخير.

المراجع

  • الكتاب المقدس
  • يوحنا الذهبي الفم، عظات على الرسالة إلى رومية.
  • باسيليوس الكبير، الرسائل والكتابات النسكية.
  • أقوال آباء البرية (أنطونيوس الكبير، دوروثيؤس الغزي).
  • أغسطينوس، الاعترافات.
  • نيقولا كاباسيلاس، الحياة في المسيح.
  • أنطون بشاي، الضمير في الفكر الآبائي.

 ✍ صفحة مقالات أبونا إفرايم الأنبا بيشوي