اولاً: مفهوم العفة والطهارة واهميتهما
+ العفة والطهارة ليستا مجرد وصايا أخلاقية، بل هما دعوة إلهية لحياة الشركة مع الله. فالكتاب المقدس يربط بين الطهارة والقداسة ومعاينة الله {طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله}(متى 5: 8).والعفة حالة قلبية داخلية قبل أن تكون مجرد سلوك خارجي، فهي تحفظ الجسد والذهن والروح في نقاوة، وتفتح العينين لمعاينة الله. العفّة "Chastity" لغوياً تعني الامتناع عن الشر، وضبط النفس، خصوصًا في مجال الشهوات الجسدية، وحفظ الإنسان نفسه في طهارة الجسد والفكر والقلب. أما روحيًا فالعفّة لا تعني فقط البُعد عن الزنا والنجاسة، بل هي فضيلة إيجابية تعبّر عن نقاء القلب، وسكنى الروح القدس في الإنسان، بحيث يصبح الجسد هيكلًا مقدسًا لله (1 كو 6: 19-20). والعفّة هي ثمر من ثمار الروح (غل 5: 22-23). وتتجلّى في ضبط النفس، وهي تعبير عن الحب الحقيقي لله وللآخرين بعيدًا عن الأنانية والشهوة.
+ أما الطهارة " Purity" فلغوياً تعني تعني النقاء والصفاء من كل دنس أو شائبة. وروحيًا تشمل نقاوة وعفة الجسد، والفكر، والقلب، واللسان. وفي الحياة الروحية فان الطهارة هى ثمرة الاتحاد بالمسيح، حيث يُطهّر دم المسيح ضميرنا من الأعمال الميتة لنعبد الله الحي (عب 9: 14). فهي ليست مجرد جهد بشري، بل عمل النعمة إلإلهية فينا ننالها بالصلاة والتواضع والجهاد الروحي ضد الخطية بعمل نعمة روح الله.
ثانياً: أهمية العفّة والطهارة في الكتاب والحياة
العفة وصية إلهية اساسية لحفظ الجسد والكيان الأسرى {لا تزن}(خر 20: 14). { اهربوا من الزنا... أم لستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح؟} (1 كو6: 15-18). والطهارة طريق للنور { كل من عنده هذا الرجاء به يطهّر نفسه كما هو طاهر} (1 يو 3: 3).
+ العفّة والطهارة تحفظان المؤمن من الانقسام الداخلي، وتجعله يكرّس قلبه بالكامل لله. ومن الجانب النفسي الطهارة تمنح راحة الضمير، سلامًا داخليًا، وحريّة من صراعات الشهوة والذنب. وأما من ناحية الجسد فالعفّة تحمي الجسد من أمراض كثيرة مرتبطة بالانحلال الأخلاقي، وتعزّز الصحة العامة. والعفّة تبني الأسرة المسيحية على أسس المحبة والخلاص والوفاء، وتمنع تفكك الاسرة كنواة المجتمع من والتفكك والطلاق.
ثالثاً: من أقوال وحياة القديسين
+ يرى القديس أثناسيوس الرسولي اننا لا نستطيع ان نعاين الله بقلب غير نقي: "كما لا يستطيع الإنسان أن يرى بعين ملوّثة، هكذا لا يعاين الله بقلب غير نقي." والقديس يوحنا ذهبي الفم يقول " إن الجسد الطاهر يجعل القلب هيكلاً لله". أما القديس أغسطينوس فيقول " إن العفة ليست رفضاً للشهوة بل هي حب موجه نحو الله". والقديس أكلمنضدس السكندري يقول " أن العفيف هو من يستخدم الجسد كما اراد الله، بقداسة وضبط وليس كعبد للشهوة". هكذا راينا يوسف الصديق كمثال بارز للعفة، يرفض الخطية ويقول { كَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟».} (تك ٣٩: ٩). ورفض دانيال العفيف ان يتدنس باطايب الملك { أَمَّا دَانِيآلُ فَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ الْمَلِكِ وَلاَ بِخَمْرِ مَشْرُوبِهِ. (دا ١: ٨) وبارك الله دانيال والثلاثة فتية القديسين ولم تكن للأسود ولا للنار سلطان عليهم. وجاهد ابائنا القديسين مقاومين تجارب الجسد بالصلاة والصوم والسهر والتواضع حتى غلبوا إبليس وحروبه وشهوات العالم المختلفة.
رابعاً: البعد النفسي والصحي
علم النفس الحديث يثبت أن العفة تعزز الصحة النفسية إذ تحمي الإنسان من الاضطراب والشعور بالذنب أو العلاقات الممزقة. وتقوي الإرادة، فالقدرة على ضبط الذات تنعكس إيجابياً على كل جوانب الشخصية.
كما أن العفة تمنع الأمراض الجسدية فالامتناع عن العلاقات غير الشرعية يقي من الأمراض المنقولة جنسياً ويعزز احترام الذات إذ يشعر الإنسان بقيمته وكرامته. وقد أكد عالم النفس فيكتور فرانكل أن الإنسان الذي يعيش لأجل قيم عليا كالطهارة والعفة يجد معنى عميقاً في حياته، مما يحميه من الفراغ والاضطراب النفسي.
+ وفي العلاقات الزوجية الطهارة تعني الإخلاص والوفاء من الزوجين وللشباب العفة تعني حفظ الجسد كهيكل للروح القدس (1 كو 6: 19-20). وفي الرهبنة والتكريس هي عفة القلب التي كرس كل كيانه للمسيح.
+ اما عن نتائج العفة والطهارة فبهما نرى الله بعيون القلب والروح النقية (متى 5: 8). ونتمتع بالسلام الداخلي والنفس المطمئنة. وننال قوة روحية ضد التجارب. ويحترم الإنسان ذاته وجسده كهيكل مقدس لله. فالعفة هي ضبط للنفس وحفظ للجسد، وقوة للارادة ونقاوة للقلب والضمير وتقود العفة المؤمن في حياة الشركة والاتحاد بالله فينال صحة وأستنارة للنفس والجسد والروح.
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
• الكتاب المقدس: العهدين القديم والجديد.
• يوحنا ذهبي الفم، عظات على متى.
• أغسطينوس، الاعترافات.
• إكليمنضس الإسكندري، المربي.
• Athanasius of Alexandria, Life of Antony.
• Viktor Frankl, Man’s Search for Meaning, Beacon Press, 2006.
• WHO (World Health Organization), Sexual and reproductive health, 2023.