تحتفل الكنيسة بعيد الصليب المجيد يوم ١٧ من شهر توت في كل عام قبطى ولمدة ثلاثة أيام. وفي ١٠ برمهات ليوم واحد، حيث ترفع الكنيسة الصليب مزيناً بالزهور والشموع، ونسبح بذكصولجيات الصليب ونتذكر الفداء والخلاص الذي تم عليه، فعيد الصليب هذة الايام ليس مجرد ذكرى تاريخية لاكتشاف الصليب على يد الملكة هيلانة ٣٢٦م.، بل هو إعلان مستمر للخلاص الذي تحقق بدم المسيح المسفوك على الصليب، حيث صار الصليب علامة البذل والنصرة والقيامة والرجاء.
أولاً: الصليب في الكتاب المقدس وفكر الاباء
+ الصليب سر الخلاص والفداء
يقول الرسول بولس { وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح}(غل 6: 14). الصليب موضع افتخارنا لأن به ننال الخلاص، وبه تحققت المصالحة مع الله الآب (كو 1: 20).
+ قوة الصليب
يعلن بولس الرسول أن { كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، وأما عندنا نحن المخلّصين فهي قوة الله}(1 كو 1: 18). الصليب ليس ضعف بل سر قوة، قوة الحب الذي يهزم الكراهية، والحياة التي تهزم الموت والنعمة التي تغفر الخطايا، والتواضع الذي يهزم الكبرياء، وعلامة غلبة ربنا يسوع المسيح الذي هزم إبليس وكل قواته إذ سحق إبليس، وغلب الموت، وفتح لنا طريق الحياة الأبدية. وعلامة مجيئه الثاني {وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ.} (مت ٢٤: ٣٠)
+ الصليب علامة التلمذة
لهذا قال الرب يسوع: { إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني} (لو 9: 23). فحمل الصليب ليس مجرد احتفال خارجي، بل هو أسلوب حياة روحية تقوم على الجهاد والصبر والاحتمال وتواضع القلب وأنكار الذات.
+ وفي فكر الآباء يؤكد القديس أثناسيوس الرسولي أن الصليب هو قمة المحبة الإلهية: " بالصليب أظهر المسيح محبته للعالم، لأنه بسط ذراعيه ليحتضن الكل" (ضد الأريوسيين). ويرى القديس كيرلس الكبير أن الصليب هو عرش المسيح الملك: "على الصليب جلس ملك المجد ليجذب إليه كل الشعوب" (تفسير يوحنا). اما القديس يوحنا ذهبي الفم فيقول على أن الصليب هو فخر المسيحي "الصليب هو رجاءنا وقيامتنا، ملجأنا وسلاحنا ضد الشرير".
ثانياً: أهمية الصليب في حياتنا
+ الصليب سر المصالحة الداخلية
بالصليب ننال الغفران ونستعيد سلام النفس، لأن السيد المسيح { حمل خطايانا في جسده على الخشبة} (1 بط 2: 24).
+ الصليب والتواضع والنصرة
يعلمنا الصليب أن الطريق إلى المجد يمر عبر الألم، وأن الانتصار لا يأتي إلا عبر الجهاد الروحي. والصليب علامة النصرة والكنيسة تفتتح صلواتها بعلامة الصليب، معلنة أن كل عمل يبدأ باسم الثالوث الذي دُعينا إليه، وبقوة دم المصلوب الغالب للشيطان.
+ الصليب حماية وتكريس ورجاء
الصليب علامة حماية فالمؤمن يرشم ذاته بالصليب في مواجهة التجارب. وهو علامة تكريس، اذ نتعلم من المسيح المصلوب والقائم ممجداً أن نعيش حياة البذل من أجل الله والآخرين. كما أن الصليب علامه رجاء فيذكرنا أن وراء آلامنا مجد آتي.
ثالثاً: طقس عيد الصليب في الكنيسة القبطية
+ يُرفع الصليب مزيناً بالورود رمز القيامة بعد الموت.
وبعد أن نصلي الألحان الخاصة مثل: "أفنوتي ناي نان" في باكر عيد الصليب نهتف بالحان الفرح في كل اركان الكنيسة ونصلي ١٢ إنجيل امام أيقونات الكنيسة متذكرين قديسى الكنيسة وجهادهم حاملين صليب الاستشهاد والمحبة والبذل والعطاء اوالنسك والزهد ويُقرأ الإنجيل الذي يعلن سر الصليب كطريق حياة (يو 12: 31–36). ويشارك الشعب بالفرح، إذ أن الصليب ليس رمز الالم فقط بل هو عربون حياة جديدة.
+ إن عيد الصليب في ١٧ توت هو احتفال كنسي عميق يذكّرنا أن المسيحية ليست مجرد فلسفة أو تعليم أخلاقي، بل هي خبرة حب إلهي تجسد في الصليب. فالصليب هو سر خلاصنا ورجاءنا، وعلامة النصرة التي ترافقنا في حياتنا اليومية، وبه نغلب العالم كما غلب المسيح. لذلك يبقى الصليب قلب إيماننا وحياتنا وعلامة حب وبذل وانتصار.
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المراجع
• الكتاب المقدس
• القديس أثناسيوس الرسولي، ضد الأريوسيين.
• القديس كيرلس الكبير، تفسير إنجيل يوحنا.
• القديس يوحنا ذهبي الفم، العظات على متى.
• القس منسى يوحنا، يسوع المصلوب
• حبيب جرجس، أسرار الكنيسة السبعة وأعيادها.
• القمص تادرس يعقوب ملطي، تفسير الكتاب

 ✍ صفحة مقالات أبونا إفرايم الأنبا بيشوي