الكتاب المقدس كلمة الله الحية والفعّالة، نعى ونفهم منه معاملات الله المملؤة رحمة معنا ونعرف صفاته ووعوده وقبوله للخطاة وهو لنا موجه ومرشد للحياة الروحية السليمة ويهبنا حكمة وفهم لمواجهات تحديات الحياة. الإنجيل غذاء وعزاء وشفاء للروح والنفس. فالإنسان المسيحي لا يستطيع أن ينمو في حياته الروحية بعيدًا عن كلمة الله، لأنها النور الذي يهدي خطواته (مز 119: 105). وقد أكّد آباء الكنيسة عبر الأجيال على ضرورة المواظبة على القراءة والتأمل في الكتاب المقدس، ليكون لنا مرجعيه للتفكر والسلوك ويقربنا من الله ويعزز ثقتنا في عود الله الصادقة ويقوى ثقتنا بانفسنا لما له من أثر روحي ونفسي عميق في تشكيل حياة المؤمن.
أولاً: الكتاب المقدس علي ضوء الكتاب نفسه..
+ كلام الله روح وحياة
ترجع أهمية قراءة الإنجيل إلي انه روح وحياة وقادر علي تغيير الإنسان { اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ.}(يو ٦: ٦٣). وعندما عثر بجهل بعض الكتبة في كلام السيد المسيح { فَقَالَ يَسُوعُ لِلاثْنَيْ عَشَرَ: «أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا تُرِيدُونَ أَنْ تَمْضُوا؟» فَأَجَابَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «يَارَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ.} (يو ٦: ٦٧، ٦٨). فكلمة الله قوية وفعاله { لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ.} (عب ٤: ١٢). هكذا قال الرب أن كلام الله لأبد أن يثمر فيّ من يقرأه { لأَنَّهُ كَمَا يَنْزِلُ الْمَطَرُ وَالثَّلْجُ مِنَ السَّمَاءِ وَلاَ يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ، بَلْ يُرْوِيَانِ الأَرْضَ وَيَجْعَلاَنِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعًا لِلزَّارِعِ وَخُبْزًا لِلآكِلِ، هكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ.} (إش ٥٥: ١٠، ١١). فكلمة الله تنقي القلب وتثمر ثمار صالحة فينا وتقوى إيماننا {أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ. إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلاَمِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ. }(يو ١٥: ٣، ٧)
+ هداية ونور للحياة:
كلمة الله تهدينا للحق وتقدس حياتنا وقد أمر الله ان لا يبرح كلام الله أفواهنا ونلهج به في قلوبنا ونعمل به لكى تنصلح طرقنا {لاَ يَبْرَحْ سِفْرُ هذِهِ الشَّرِيعَةِ مِنْ فَمِكَ، بَلْ تَلْهَجُ فِيهِ نَهَارًا وَلَيْلاً، لِكَيْ تَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ. لأَنَّكَ حِينَئِذٍ تُصْلِحُ طَرِيقَكَ وَحِينَئِذٍ تُفْلِحُ. }(يش ١: ٨) . كلام الله لنا نوراً لطريقنا {سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي.} (مز 119: 105).
+ مصدر الإيمان والخلاص والتعزية
أمر السيد المسيح تلاميذه أن يذهبوا الي العالم أجمع ويكرزوا بالإنجيل للخليقة لكي يؤمنوا ويخلصوا { وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ.} (مر ١٦: ١٥، ١٦). كلام الله يغذى ويعزى النفس في غربة هذا العالم { فَأَجَابَهُ يَسُوعُ قِائِلاً: «مَكْتُوبٌ: أَنْ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ».} (لو ٤: ٤). إن كلام الله قادر أن يغير ويحرر الإنسان وكنار آكلة تحرق الخطايا وتذيب قساوة القلب { أَلَيْسَتْ هكَذَا كَلِمَتِي كَنَارٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَكَمِطْرَقَةٍ تُحَطِّمُ الصَّخْرَ؟} (إر ٢٣: ٢٩).
الإنجيل مصدر ايماننا وبه ننال خلاصنا { لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيبًا مَعَ الْمُقَدَّسِينَ. }(أع ٢٦: ١٨) فالإيمان يحتاج خدام أمناء يوصلوا كلمة الله الينا {الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله} (رو 10: 17). والكتب المقدسة قادرة ان تحكمنا للخلاص بالإيمان {الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع} (2تي 3: 15). وكلام الله يعزى ويعطى صبر ورجاء { لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا، حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ. }(رو ١٥: ٤)
ثانياً: أقوال الآباء عن أهمية قراءة الكتاب المقدس
+ يرى القديس أثناسيوس الرسولي ان الكتاب المقدس ينبوع الخلاص "الكتاب المقدس هو ينبوع الخلاص، فيه نتعلّم طريق الحياة ونشبع من كلمات الله كما من مائدة سماوية." أما القديس يوحنا ذهبي الفم فيرى ان النفس لا تحيا بدون الكتاب المقدس "كما أن الجسد لا يقدر أن يعيش بلا طعام، هكذا النفس لا تستطيع أن تحيا بلا الكتاب المقدس."
+ ويري القديس جيروم أن "جهل الكتب المقدسة هو جهل بالمسيح." ويقول القديس الأنبا أنطونيوس الكبير أن "الكتاب المقدس هو مرآة النفس، فيه يرى الإنسان ضعفه ويعرف كيف يتوب."
ثالثاً: الفوائد الروحية والنفسية لقراءة الكتاب
* التقديس والنقاوة والغبطة
كلام الله يقدسنا { قدّسهم في حقك. كلامك هو حق} (يو 17: 17). وقد منح الله الطوبي لمن يقرأ ويحفظ ويعمل بالكتاب { طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ النُّبُوَّةِ، وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ.} (رؤ ١: ٣) كلمة الله تنقينا { أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ.}(يو ١٥: ٣)
* التعزية والقوة الروحية
الكتاب المقدس يمنح الرجاء في أوقات الضيق (رو 15: 4). ويعزّي القلب ويثبّت المؤمن أمام التجارب. وعلينا ان نفهمها ونعلم وننذر بها لنخلص ومن يسمعنا كما قال القديس بولس لتلميذه تيموثاوس { لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هذَا، تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضًا.} (١ تيم ٤: ١٦). وقديما أمر الرب حزقيال النبي قائلاً: { وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، كُلُّ الْكَلاَمِ الَّذِي أُكَلِّمُكَ بِهِ، أَوْعِهِ فِي قَلْبِكَ وَاسْمَعْهُ بِأُذُنَيْكَ. وَامْضِ اذْهَبْ إِلَى الْمَسْبِيِّينَ، إِلَى بَنِي شَعْبِكَ، وَكَلِّمْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنْ سَمِعُوا وَإِنِ امْتَنَعُوا». «يَا ابْنَ آدَمَ، قَدْ جَعَلْتُكَ رَقِيبًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. فَاسْمَعِ الْكَلِمَةَ مِنْ فَمِي وَأَنْذِرْهُمْ مِنْ قِبَلِي. إِذَا قُلْتُ لِلشِّرِّيرِ: مَوْتًا تَمُوتُ، وَمَا أَنْذَرْتَهُ أَنْتَ وَلاَ تَكَلَّمْتَ إِنْذَارًا لِلشِّرِّيرِ مِنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ لإِحْيَائِهِ، فَذلِكَ الشِّرِّيرُ يَمُوتْ بِإِثْمِهِ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ. وَإِنْ أَنْذَرْتَ أَنْتَ الشِّرِّيرَ وَلَمْ يَرْجعْ عَنْ شَرِّهِ وَلاَ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ بِإِثْمِهِ، أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ نَجَّيْتَ نَفْسَكَ. وَإِنْ أَنْذَرْتَ أَنْتَ الْبَارَّ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ الْبَارُّ، وَهُوَ لَمْ يُخْطِئْ، فَإِنَّهُ حَيَاةً يَحْيَا لأَنَّهُ أُنْذِرَ، وَأَنْتَ تَكُونُ قَدْ نَجَّيْتَ نَفْسَكَ.}(حز ٣: ١٠، ١١، ١٧-١٩، ٢١)
* النمو الروحي
علينا ان نقرا ونسمع كلام الله ونعمل بها لننمو ونثمر ويدوم ثمارنا {وَهؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ زُرِعُوا عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ: الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ وَيَقْبَلُونَهَا، وَيُثْمِرُونَ: وَاحِدٌ ثَلاَثِينَ وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ مِئَةً} (مر ٤: ٢٠). { كالأطفال المولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنموا به}(1بط 2: 2). فكلمة الله يجب أن تكون لإرشادنا العملي للحياة وتقويم سلوكنا ونمونا الروحي.
* الفوائد النفسية لقراءة الكتاب
+ يعطي سلام داخلي للنفس ويبدد القلق
{اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟} (مز ٢٧: ١). {سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ. }(يو ١٤: ٢٧)
+ معالجة مشاعر الذنب .. من خلال التوبة والرجوع إلى الله، يحرّر الكتاب القارئ من ثقل الشعور بالخطية (مز 51).
+ الرجاء والثبات.. إن قراءة سير القديسين وتعاليم الكتاب تعطي طاقة إيجابية في مواجهة الضغوط النفسية ورجاء لليأس وسلام وهدوء لمن يعاني من الخوف والقلق والارق والراحة للمتعبين.
+ تنمية التفكير الإيجابي:
الكلمة تدرّب العقل على التفكير بما هو حق وطاهر
{ أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هذِهِ افْتَكِرُوا. وَمَا تَعَلَّمْتُمُوهُ، وَتَسَلَّمْتُمُوهُ، وَسَمِعْتُمُوهُ، وَرَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، فَهذَا افْعَلُوا، وَإِلهُ السَّلاَمِ يَكُونُ مَعَكُمْ.} (في ٤: ٨، ٩).
رابعاً: تطبيقات عملية
+ نضع برنامج يومي للقراءة المنتظمة في الكتاب المقدس بعهديه فكما نهتم بغذائنا الجسدى وجوته نهتم بتغذية ارواحنا بكلمة الله في اوقات منتظمة كل يوم ويستحسن في الصباح الباكر قبل ان تثقلنا المشاغل والمشاكل.
+ التأمل في آيات ومقاطع الكتاب المقدس واللهج بها والعمل علي تطبيقها في حياتنا العملية واستخدامها في الصلاة والحياة اليومية.
+ تدوين آيات للتشجيع الشخصي في المواقف الحياتية المختلفة فتكون تعزية ومرجعيه لحياتنا.
+ المشاركة في دراسة الكتاب مع الآخرين سواء في الكنيسة والبيت والأجتماعات العائلية.
قراءة الكتاب المقدس ليست مجرد ممارسة دينية، بل هي لقاء حيّ مع الله الذي يخاطبنا بكلمته ومعاملاته. ونصلي اليه ونخاطبه ونتصل بالصلاة والتأمل. ويبقي الإنجيل دائماً مصدر النور والبركة والنصرة والقوة، والسلام الداخلي، وأساس النمو الروحي والنفسي. لذا يشدّد الكتاب المقدس والأباء معًا على أن المؤمن الذي يداوم على قراءة الكلمة يثمر وينجح ويسلك في طريق الحياة الأبدية.
القمص أفرايم الأنبا بيشوي
المراجع
• الكتاب المقدس
• أثناسيوس الرسولي، الرسائل الفصحية.
• يوحنا ذهبي الفم، العظات على متى.
• جيروم، الرسائل.
• أنطونيوس الكبير، أقوال الآباء – البستان.
* الانبا يؤانس اسقف الغربية المتنيح، بستان الروح

 ✍ صفحة مقالات أبونا إفرايم الأنبا بيشوي