جلست في السيارة مع عم (مرزوق) وأنا أرفع قلبى إلى الله أن يعطينى نعمة في عيني أبونا (بيشوى) ويوافق على مقابلتى ، فانتظرت وأنا أرمق أبونا (أنُسيمُس) وهو يتحرك نحو باب المغارة في أرض غير ممهدة طولها ما يزيد عن خمسين متراً من طريق السيارة حتى باب المغارة .
وبعد أقل من دقيقتين قرع أبونا (أنُسيمُس) باب القلاية، وأنتظر قرابة دقيقة أو أقل، وبعدها وجدته قد دخل عبر الباب ، وأختفى من مرمى بصري ، ولم يلبث الوقت يمر ودقات قلبى تتسارع ، منتظراً خروج أبونا (أنُسيمُس) ...
قطع توترى عم (مرزوق) وهو يقول :
- لا تقلق يا أبونا (كيرلس) ، ربنا يعطيك ما تتمناه.
وما أن درت برأسي للرد على عم (مرزوق) وجدته يبتر عبارتى وهو مشيراً يقول لى :
- ألم أقل لك ... أبونا (أنُسيمُس) يشير لكى تذهب إليه .
درت برأسى ثانية ناحية المغارة ، و ارتسمت ابتسامة عريضة على ملامح وجهى ، وبرقت عيناي عندما وجدت بالفعل أبونا (أنُسيمُس) يشير إلىّ للحضور ، فتحركت على الفور وبدأت أسرع الخطوات حتى باب المغارة على الرغم من هذه الرمال الكثيفة ...
سوف أراه ....
نعم سوف أرى ملاك البرية كما يدعونه ...
وما أن قاربت باب المغارة حتى وجدت أبونا (أنُسيمُس) يدعونى للجلوس بجوارها على (مصطبة) خرسانية .فجلست منتظراً خروج أبونا (بيشوى)... وعيناي ثابتتين على باب المغارة .
+++
تخطيت آداب الرهبنة وبدأت أرفع نظرى من الأرض ، وأرمق بعيني منظر المغارة من الخارج ... فرأيت أولاً فيها السكون الذى يُخيم علي المكان كما لو كانت مهجورة ، وظهر على ما يبدو من شكلها الغير منتظم ، إنها قد حُفرت في الجبل بأدوات بدائية الصنع، كما أن مساحتها الصغيرة هذه، لا تعطى أمامى خياراً سوى أنها وبدون مبالغة لا تزد مطلقاً عن سبع أمتار مربعة .
كما يظهر هذا الباب الخشبي الذى تبدو ملامحه لأول وهلة كما لو تكن من العصور الأولى ، وهذا لتعامد أشعة الشمس عليه بصورة مستمرة طوال النهار كما أراها الآن .
بالإضافة للصخور الجبلية التي عضد بها واجهة المغارة ويتخللها القليل من الأسمنت ... أو فيما يبدو الطمى . ويرتفع فوقها خشبتين متعامدتين غير متساويتين في الطول أو العرض يُعطيان شكل الصليب .
كما لاحظت إنه لا يوجد مصدر للكهرباء أو المياة داخل أو خارج من المغارة ، مما يدل على اعتماده الكلى على الشموع بالليل، والحصول على المياه بصفة دورية عند الاحتياج .. وقلت كيف يكون كل هذا ونحن فى القرن الحادى العشرين ؟!!!....
فرد علىّ فكرى سريعاً ، وأحسست كأن بولس الرسول يهمس في أذنى كما قال لأهل العبرانيين :
- وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم تائهين في برارى وجبال ومغاير وشقوق الأرض ...
- وكل هذا يفعلونه لأجل عِظم محبتهم في الملك المسيح .
إجمالاً شعرت بروحانية هذه المغارة، و كل ما أستطيع قوله إنى أرى السماء على الأرض فيها ...
بالفعل هي سماء الأرض .....
ولكن بغتةً أنحشرت أفكارى في ذهنى ، عندما بدأت أسمع حشرجة باب المغارة وهو يُفتح رويداً رويداً..
و تسمرت عينـــايا محدقتـــان نحو الــباب ودقت أجراس قلبي بلهفة ....
ها هي اللحظة التي أنتظرها منذ وقتاً طويلاً ...
أرنى من أنت يا أبونا (بيشوى)....
يتبع الأسبوع القادم الفصل الرابع
✍ صفحة مقالات أبونا ويصا الأنبا بيشوي

