قال السيد المسيح: "متى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي" (يو15: 26).
وهكذا أُرسل الروح القدس بناءً على طلب السيد المسيح، وبناءً على الصلح بدم صليبه.
أما المؤمنون بالمسيح فقال لهم: "أما أنتم فتعرفونه، لأنه ماكث معكم ويكون فيكم".
تلاميذ الرب نشأت بينهم وبين الروح القدس علاقة شخصية، اختبارية كقول معلمنا بولس الرسول: "جميعنا سقينا روحًا واحدًا" (1كو12: 13)، وقوله: "الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها" (رو8: 26).
صارت لهم معرفة للروح القدس، ماذا يريد، وماذا يقول "قال الروح القدس أفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه" (أع13: 2).
صارت لهم الدالة أن يطلبوا من الروح القدس. مثلما تصلي الكنيسة وتقول (أيها الملك السمائي المعزي روح الحق الحاضر في كل مكان؛ مالئ الكل كنز الصالحات ومعطي الحياة، هلم تفضل وكن فينا، وطهِّرنا من كل دنس أيها الصالح وخلّص نفوسنا( (قِطع صلاة الساعة الثالثة).
وقد تنبأ داود النبي في المزمور عن الروح القدس وعن وجوده في كل مكان وعن عمله في حياة الإنسان فقال: "أين أذهب من روحك، ومن وجهك أين أهرب. إن صعدت إلى السماوات فأنت هناك. وإن فرشت في الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر فهناك أيضًا تهديني يدك وتمسكني يمينك" (مز139: 7-10).
ونلاحظ في كلمات المزمور؛ عمل الروح القدس في إرشاد المؤمنين "تهديني يدك وتمسكني يمينك". "لأن كل الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله" (رو8: 14).
المؤمن الحقيقي الذي يطلبه بحرارة من الله، يستشعر عمل الروح القدس في داخله: يعلّمه ويرشده ويعزّيه روحيًا ويقوده ويقود ضميره، وأحيانًا يوبّخه.. يذكّره بكلام السيد المسيح، أو يعلن مشيئة المسيح في داخله.. يقوّيه.. ينطق على لسانه.. يحدِّثه.. يلهمه لكي يتصرف بحسب فكر الروح، . يعلن له أسرار سمائية، أو مقاصد إلهية.. يرفعه فوق مستوى العالم والمادة والزمان لكي يتصل بالحياة الأبدية. وعمومًا يشعر الإنسان بحضور الله في داخله إذ يصير هيكلًا للروح القدس.
فكيف بعد هذا كله، وكثير غيره، يتصور الإنسان أو تتصور الكنيسة أن تحيا بدون عمل الروح القدس فيها؟!
وقال السيد المسيح إنه هو الذي سيرسل الباراقليط (انظر يو15: 26)، وأن الباراقليط سوف يأخذ مما للمسيح ويخبرنا.. لأن كل ما للمسيح فهو للآب وهو أيضًا للروح القدس. وكل ما للروح القدس فهو للآب وهو أيضًا للابن.. وهكذا.
فالجوهر الإلهي الواحد للأقانيم الثلاثة يجعل كل ما للأقنوم الواحد هو أيضًا للأقنومين الآخرين، فيما عدا الخاصية الأقنومية التي يتمايز بها هذا الأقنوم على وجه الخصوص. فالأبوة هي للآب، والبنوة هي للابن. والانبثاق هو للروح القدس.