النزول إلى الجحيم:- واضح أن الأرواح جميعا سواء البارة أو الشريرة كانت تهبط كلها إلى الجحيم قبل صلب المسيح. ولما صلب المسيح ومات إنفصلت نفسه الإنسانية عن جسده، لكن لاهوته لم ينفصل قط لا عن جسده ولا عن نفسه. ولما حاول الشيطان أن يتعامل مع هذه النفس الإنسانية كغيرها من الأنفس ويهبط بها إلى الجحيم ليقبض عليها اكتشف
أن هذه النفس متحدة باللاهوت، فكان أن المسيح هو الذي قيد الشيطان بسلسلة رؤ 3:20 ونزل الرب إلى الجحيم وأطلق سباياه ودخل بهم للفردوس كما وعد اللص اليمين. وهذا ما علَّم به الرسول بولس أن المسيح نزل إلى أقسام الأرض السفلى أف 9:4. وتعبير أقسام الأرض السفلى تعبير عبرى يستخدمه اليهود للتعبير عن مساكن الموتى. كَرَزَ لِلأَرْوَاحِ = كرز أي بشر بشارة مفرحة. للأرواح = 1*أرواح نوح وبنيه إذ هي أيضا كانت في الجحيم = السِّجْنِ . 2*وكرز المسيح أيضا للأنفس التي وجدت أيام نوح (عن طريق نوح بكلامه وإنذاره لهم بل وببنائه للفلك)، وكانوا لا يصدقونه إذ كان ينذرهم بالطوفان = إِذْ عَصَتْ قَدِيمًا، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ = ولكنهم لما رأوا إنهمار المياه تاب بعضهم وطلبوا الرحمة. 3*وكرز المسيح أي بشَّر كل أنفس الصديقين الذين ماتوا على رجاء وكانت حياتهم مرضية أمام الرب منذ آدم حتى مجىء المسيح، أي كل أبرار العهد القديم والذين كانوا في الجحيم حتى أخرجهم المسيح، وهذه كانت كرازة المسيح لهم أن الفردوس قد فُتِح لهم.
عقيدة نزول السيد المسيح إلى الجحيم ثابتة بشهادة العهد الجديد:
-
قال الرب يسوع "أم كيف يَستَطيع أحَدٌ أن يَدخُل بيت القَويِّ وينهَب أمتِعَتَه، إن لم يَرْبِط القَويَّ أولًا، وحينئذٍ ينهب بيتَه؟" (مت 12: 29).
-
قال متى الإنجيلي: "لكي يتمَّ ما قِيل بإشعياء النبيِّ.. الشعب الجَالس في ظُلمَةٍ أبصر نورًا عظيمًا، والجَالسون في كورة المَوت وظلالِهِ أشرَقَ عليهم نور" (مت 4: 13 ـ 15).
-
قال الرب يسوع للص اليمين: "الحَقَّ أقول لَكَ: إنك اليوم تكُون معي في الفردَوس" (لو 23: 43).
-
قال بولس الرسول: "لا تَقُل في قَلْبِكَ مَن يَصْعَد إلى السماء؟ أي ليُحدِر المَسيح، أو مَن يهبِطُ إلى الهاوية؟ أي ليُصعِد المسيح من الأموات" (رو 10: 6، 7).
-
قال بولس الرسول "إذ صَعِدَ إلى العلاء سبي سبْيًا وأعطى الناس عَطايا. وأمَّا أنه صَعِدَ فما هو إلاَّ أنه نزل أيضًا أولًا إلى أقسام الأرض السُّفْلَى. الذي نَزَل هو الذي صَعِدَ أيضًا فوق جميـع السموات" (أف 4: 8 ـ 10).
-
قال بطرس الرسول: "فإن المسيح أيضًا تألَّم مرَّة واحِدَةً من أجْل الخَطايا، البارُّ من أجل الأثمَةِ، لكي يُقرّبنا إلى اللَّه، مُماتًا في الجسد ولكن مُحيى في الروح. الذي فيه أيضًا ذَهَب فكَرَز للأرواح التي في السّجـن" (1بط 3: 18، 19).. "فإنه لأجل هذا بُشّر الموتى أيضًا، لكي يُدَانوا حَسَب الناس بالجَسَد، ولكن ليَحْيَوا حسب اللَّه بالروح" (1بط 4: 6).
وعقيدة نزول السيد المسيح إلى الجحيم ثابتة في التقليد:
بالرغم من أن السيد المسيح قد أمضى بجسده يوم السبت في ظلمة القبر، فإن الكنيسة تدعو هذا اليوم "سبت النور".. لماذا؟.. لأن السيد المسيح نزل بروحه إلى الجحيم وأنار على الذين كانوا في الهاوية ونقلهم إلى فردوس النعيم، والكنيسة تسهر هذه الليلة حتى صباح السبت فـي سهرة رائعة تُدعى " أبو غالمسيس" أي استعلان. إذ اُستعلنت القيامة للذين في الجحيم قبل أن تُستعلن للذين على الأرض.
وفي القداس الباسيلي يُصلي الأب الكاهن: "نزل إلى الجحيم من قِبل الصليب"، وفي القداس الغريغوري "أعطيت إطلاقًا لِمَن قُبض عليهم في الجحيم" وفي قسمة عيد القيامة "الذي من قِبل صليبه المُحيي نزل إلى الجحيم ورد أبانا آدم وبنيه إلى الفردوس"، وفي قداس القديس يوحنا الذهبي الفم: "عندما انحدرت إلى الموت أيها الحياة الذي لا يموت حينئذٍ أمتَّ الجحيم ببرق لاهوتك" وفي قطع الساعة السادسة نصلي: "نعظّمك لأن من قِبل صليب ابنكِ انهَبَطَ الجحيم وبَطُل الموت"، وفي تحليل الساعة التاسعة "وأنر علينا كما أنرت على الذين كانوا في ظلمة الجحيم وردنا جميعًا إلى فردوس النعيم".
وعقيدة نزول السيد المسيح إلى الجحيم ثابتة من أقوال الآباء:
* القديس أمبروسيوس: يقول: "من الواضح أن السيد المسيح لم يسقط تحت قوات الظلمة، بل بالحري وهو كسر سلطانها كارزًا حتى بين الأموات الذين كانوا في الجحيم لكي يحررهم"(179).
* الأب هيبوليتس: يقول: "لقد رتَّب الأمور التي على الأرض، إذ صار إنسانًا بين الناس ليُعيد الناس للخلقة التي كان عليها آدم قبل الخلقة، وذلك من خلال ذاته وأيضًا الأمور التي تحت الأرض إذ أُحصيَ مع الموتى مبشرًا بالإنجيل لنفوس القديسين"(180).
* القديس إيريناؤس: يقول: "لهذا السبب نزل الرب أيضًا إلى أعماق الأرض مبشرًا بصعوده مُعلنًا غفران الخطايا لمن آمنوا به. والآن فإن كل الذين آمنوا به وترجّوه وأعلنوا مجيئه وخضعوا لبركاته أي الأبرار والأنبيـاء والآباء. غَفَر لهم خطاياهم بنفس الكيفية التي صنعها معنا تمامًا"(181).
* القديس أثناسيوس الرسولي: يقول: "هرب نور النهار، وترك العالم في ظلمة يحسس، وهذا كله كان من قبل أن يغلق المسيح عينيه، وأشرق نوره في الجحيم بسرعة، نزل ربنا إلى الجحيم بروحه لا بجسده، فقلق الجحيم واضطرب من أساسه، ضبط كل الأرض لئلا تهلك قبل أوانها. أهرق دمه على الأرض فحفظها هي ومَن فيها، وترك جسده معلّقًا على الصليب في الهواء.. وبروحه نزل إلى الجحيم وسبى من هناك المسبيين في الجحيم، وضبط كل الخليقة، وجسده أقام الموتى الذيـن على الأرض، ونفسه المقدَّسة حلّت أنفس الذين في الجحيم، وفي تلك الساعة التي كان جسد الرب على الصليب، انفتحت القبور وأبصره بوابو الجحيم فهربوا، وتحطَّمت الأبواب النحاس وتكسَّرت المتاريس الحديد، وحلَّت نفسه المقدَّسة أنفس الأبرار التي في الجحيم"(182).
* القديس كيرلس الأورشليمي: قال: "لقد ارتعب الموت عندما فوجئ بزائر جديد ينزل إلى الجحيم، دون أن يكون مربوطًا بالسلاسل. لماذا فزعتم يا حراس الجحيم عندما رأيتموه؟ ولماذا تملكتكم الرعدة؟! لقد هَرب الموت فانفضح ضعفه! وأسرع الأنبياء القديسون نحو الرب. موسى واضع الناموس، وإبراهيم وإسحق ويعقوب، وداود وصموئيل، وإشعياء، ويوحنا المعمدان الذي شهد له عندما سألوه: "أنت هو الآتي أم ننتَظر آخَر" (مت 11: 3).. لقد افتدى كل الأبرار الذين ابتلعهم الموت. لأنه هكذا يليق بالملك الذي أنبأوا عنه أن يخلص أنبياءه هؤلاء.. فقال كل منهم: "أين شوكَتُك يا موت؟ أين غلبَتُكِ يا هاوية؟" (1كو 15: 55)"(183).
* الأنبا ساويرس أسقف الأشمونين: يقول: "وبعد تسليم الرب يسوع الروح على عود الصليب في الحين الذي أراده كمشيئته الصالحة، مضت نفسه وهي متحدة باللاهوت إلى الجحيم وحلَّت وثاق الأنفس"(184). وقـال أيضًا: "لما أكمل الرب كل تدبيره الحسن سبى الجحيم وأخرج الأنفس المحبوسة هناك وفتح باب الفردوس وأعاد آدم إلى رتبته الأولى"(185).