التقويم القبطيّ التقويم القبطيّ هو تقويم اتخذته الكنيسة القبطية لها، من التقويم الفِرعَونيّ الذي يُعد أقدم تقويم ظهر في الأرض إذ يعود إلى عام ٤٢٤١ ق. م حين قدمت “مصر” التقويم إلى العالم، عندما وضع قُدماء المِصريِّين تقويمهم الشمسيّ المقسِّم السنة إلى ١٣ شهر اعتمادًا على دورة الشمس، وكان من الدقة بحيث أبهر العالم كله في دقة حساباته.
ومن أسماء شهور التقويم المِصريّ القديم اتخذت الكنيسة أسماء شُهور السنة القبطية، وهي: تُوت (١١/٩-١٠/١٠)، بابَه (١١/١٠-١٠/١١)، هاتُور (١١/١١-٩/١٢)، كِيَهْك (١٠/١٢-٨/١)، طُوبَه (٩/١-٧/٢)، أَمشِير (٨/٢-٩/٣)، بَرَمْهات (١٠/٣-٨/٤)، بَرَمُوده (٩/٤-٨/٥)، بَشَُنْس (٩/٥-٧/٦)، بَؤونَه (٨/٦-٧/٧)، أَبِيب (٨/٧-٦/٨)، مِسْرَى (٧/٨-٥/٩)، النَّسِيء (٦-١٠/٩) ويُسمى أيضـًا “الشهر الصغير”.
شهر “كيهك” الشهر الرابع في السنة القبطية ويبدأ من ١٠/١٢ إلى ٨/١؛ وفيه يغطي فيضان “النيل” الأرض، واسمه مشتق من أحد أسماء العجل “أبيس” الذي يرمز إلى الخير لدى قدماء المِصريِّين. ولشهر “كيهك” مكانة خاصة في قلوب المَسيحيِّين الأقباط إذ يُعرف بـ”الشهر المريميّ” نسبة إلى السيدة “العذراء مريم”، إلى جانب أن يوم التاسع والعشرين منه يُحتفل بـ”عيد الميلاد” المجيد. لذٰلك نجد لهٰذا الشهر طابعـًا خاصـًّا في طُقوس “الكنيسة القبطية الأرثوذكسية”، إذ تقام فيه “تسبحة منتصف الليل” التي تُسمى “سبعة وأربعة” إذ تسهر الكنيسة فيها لتسبيح الله، متحدثة عن “سر التجسد الإلٰهيّ” الفائق، ولتكريم القديسة “العذراء مريم” التي ولدت “الله الكَلِمة”.
تسبحة “سبعة وأربعة” اسم يُطلق على “تسبحة كيهك” إذ تحتوي على أربعة هوسات، وسَبْع ثيئوتوكيات.
الهوسات الأربعة “الهوس” كلمة تعني “تسبحة”. والهوسات الأربعة تمتلئ بكلمات وعبارات التسبيح لله: فـ”الهوس الأول” يقدِّم إلينا أول تسبحة ذُكرت في “الكتاب المقدس” وهي “تسبحة موسى النبيّ” بعد شقه البحر الأحمر وعبور بني إسرائيل وإنقاذ الله لهم من يد فُِرعَون وجنوده. أمّا “الهوس الثاني”، المزمور رقم 135 في الترجمة القبطية، فهو تسبحة “شكر لله” إذ يبدأ: “اُشكروا الرب فإنه صالح: هلِّلويا؛ لأن إلى الأبد رحمته”. و”الهوس الثالث” يقدِّم “تسبحة الثلاث فتية القديسين” وهم في أتُّون النار، وهي تمتلئ بعبارات التسبيح لله، وتنادي جميع الخليقة أن تسبح الله وتبارك اسمه القدوس. ويتكون الهوس الرابع من المزامير أرقام ١٤٨ و١٤٩ و١٥٠، وهي أيضـًا تحتوي على تسبيح وشكر لله ودعوة الخليقة بكل كائناتها إلى تسبيحه: “ســـبِّحـوه يـا جـمـــيع مـلائكته: هلِّلويا. سـبحوه يا جميع جنوده … سبِّحيه أيتها الشـمس والـقـمر … سبِّحيه يا جميع كواكـب النور …”.
“الثيئوتوكيات” كلمة “ثيئوتوكية” تعني “تمجيد والدة الإلٰه”، فنحن نكرِّم “السيدة العذراء” التي تجسد منها السيد المسيح، فترتبط الثيئوتوكيات بعقيدة التجسد. وهٰكذا ترتفع الكنيسة إلى السماء بقلوب ساهرة في تسبيح الله، في كل ليلة حتى ليلة “عيد الميلاد” المجيد، استعدادًا لاستقبال “ميلاد السيد المسيح”، الذي استقبلت الملائكة ميلاده وأعلنته للبشرية بالتسابيح: “المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة.” وقد ارتبطت الثيئوتوكيات بمعاني كثيرة عن “التجسد الإلٰهيّ” والميلاد العجيب والرُّموز والنُّبوات، فجاءت السبْع ثيئوتوكيات لتكلمنا بعبارات لاهوتية عن “سر التجسد” والميلاد، مقدِّمةً رموز “السيدة العذراء” في “العهد القديم” وارتباطها بهٰذا السر العظيم. بعض الرموز والنبوات عن “السيدة العذراء” في الثيئوتوكيات “ثيئوتوكية الأحد” تقدِّم عددًا كبيرًا من رُموز “السيدة العذراء” في “العهد القديم” مثل: “القبة الثانية”، و”قدس الأقداس”، و”التابوت المصفَّح” بالذهب من كل ناحية والمصنوع من خشب لا يسوس”، و”غِطاء التابوت”، و”قسـط المن”، و”المنارة الذهب”، و”المجمرة الذهـب”، و”الحمامة الحسنة”، و”عصا هارون”؛ فنقول على سبيل المثال: “ودعَوا «مريم»، ابنة «يواقيم»، «القبة الحقيقية» التي لرب الجُنود … شبَّهوا «التابوت» بـ«العذراء»، وذهَبه المختارَ بطهارتها … شبَّهوا «المجمرة الذهب» بـ«العذراء» وعنبرها بـ«عمانوئيل» …”.
“ثيئوتوكية الإثنين” وفيها نجد نبوَّة “إشَعْياء النبيّ” عن “ميلاد السيد المسيح”: “لأنه يولَد لنا وَلَد ونُعطَى ابنًا، وتكون الرياسة على كَتِفه، ويُدعى اسمه عجيبًا مشيرًا، إلٰهًا قديرًا، أبًا أبديًّا، رئيسَ السلام.” (9: 6)؛ فنقول في الثيئوتوكية: “كان ينظر، بأعين النبوَّة، سرَّ «عمانوئيل» إِشَعْياءُ النبيّ العظيم؛ فلهٰذا صرخ قائلاً: إنه وُلد لنا وُلد وأُعطينا ابنـًا، رئاسته على كَتِفه، الإلٰهَ القويَّ المتسلط، وملاكَ المشورة العظمى. أشرق جسديـًّا من «العذراء»، بغير زرع بشر، حتى خلَّصنا.”.
“ثيئوتوكية الثلاثاء” حيث يُرمز إلى “العذراء مريم” فيها بأنها “سُلَّم يعقوب”، تلك السُّلَّم التي رآها أبونا “يعقوب” تربِط بين الأرض والسماء، وملائكة الله صاعدون ونازلون عليه، فنقول في التسبحة: “وجدتِ نعمة، الرب معكِ. أنتِ هي السُّلَّم التي رآها «يعقوب» ثابتةً على الأرض ومرتفعة إلى السماء، والملائكة نازلون عليها.”. لقد كان السُّلَّم رمزًا “للسيدة العذراء” حيث نزل عليه الله من السماء إلى أرضنا، ثم أصعدنا معه إلى السماء عندما فتح لنا باب “الفِردَوس” وأعطانا عُربون “الملكوت”.
“ثيئوتوكية الأربعاء” تتحدث برمز آخر “للسيدة العذراء”: “باب حَزقِيال”؛ فقد رأى “حَزقِيال النبيّ” بابـًا ناحية “المَشرِق”: “ثم أرجعَني إلى طريق باب المَقدِس الخارجيّ المتجه للمَشرِق، وهو مغلَق. فقال لي الرب: «هٰذا الباب يكون مغلقًا، لا يُفتح ولا يدخل منه إنسان، لأن الرب إلٰه إسرائيل دخل منه فيكون مغلقًا …” (٤٤: ١)؛ فنقول في التسبحة: “الباب هو «العذراء» التي ولدت مخلصنا، وقد بقيَت عذراء بعد ولادته”.
“ثيئوتوكية الخميس” تقدِّم إلينا “العُلَّيقة” التي رآها “موسى النبيّ”، التي تُعد رمزًا للسيدة العذراء: “وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسَط عُلَّيقة. فنظر وإذا العُلَّيقة تتوقد بالنار، والعُلَّيقة لم تكُن تحترق.” (الخروج 3: 2)، فقد حل على “السيدة العذراء” “الروح القدس” فامتلأت من نار اللاهوت ولم تحترق كمثال “العُلَّيقة”. ونجد رمزًا آخر هو “المرأة التسربلة بالشمس”؛ فتحدث “يوحنا الرائيّ” في سفر الرؤياء برؤيته آيةً في السماء: امرأةً متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها؛ فنقول في التسبحة: “رأيتُ آية ظهرت في السماء: وإذا بامرأة متسربلة بالشمس، والقمر أيضـًا تحت رجليها، واثنَي عشَر كوكبًا تُكلِّل رأسها، وهي حُبلى تتمخض صارخةً لتلد، التي هي «مريم»، السماء الجديدة التي على الأرض، المشرقة لنا منها «شمس البر».”. يضاف في “تسبحة كيهك” إلى الأربعة هوسات والسبع ثيئوتوكيات: “مجمع القديسين” و”الابصاليات” (التراتيل)، و”الذكصولوجـيات” (التماجيد)، مع المدائح، والطُّروحات (التفاسير) التي تقال بعد كل الهوسات والثيئوتوكيات. فالكنيسة بترتيبها لهٰذه الصلوات ترتفع بنا إلى السماء، وتُعد قلوبنا لاستقبال “ميلاد السيد المسيح”، بأن تثبت أنظار أبنائها في سر الخلاص المعَّد من قَبل الأزمان من خلال “سر التجسد الإلٰهيّ”. كل عام وجميعكم بخير.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي