إِنَّ أَبِي وَأُمِّي قَدْ تَرَكَانِي وَالرَّبُّ يَضُمُّنِي. (مز ١٠:٢٧)
كان سارجيوس وزوجته ، مُرْسَلَيَن مَسيحِيَّيْن، يَعْمَلان في مَيْتَمٍ للأطفال، في إحدى قُرَى روسيا. في العام ١٩٩٤م ، وبالتحديدِ في شهر كانون الأول دَعَتْهُما إدارة الميتم كي يُخْبِرا الأطفال، الذين عانوا الإهمال، والإعتداء، والعُنْفِ منذ سنين مبكرة في حياتهم. اسْتَمَعَ الأولاد، بِكُلِّ انتباهٍ، إلى سارجيوس وزوجته وهما يُخْبِرانِهِم قصة الميلاد.
كان الجميع سُكوتًا بينما سارجيوس يخبرهم عن العذراء مريم ويوسف، كيف لم يَجِدا منزلاً لتلد فيه مريم طفلها يسوع. وكيف وَلَدَتْهُ وقَمَّطَتْهُ وأَضْجَعَتْهُ في مِذْوَدٍ بسيط.
وحينما أنهى سارجيوس قِصَّتَهُ، وَزَّعَ على الأولادِ، قِطَعًا مِنَ الكَرْتُونِ، والورق والقماش والقَشِّ وطَلَبَ مِنْ كُلِّ مِنْهُم، أنْ يَصْنَعَ مِذْوَداً بسيطاً، وطِفْلاً مِنَ القِماشِ، ليَضَعَهُ في المِذْوَدِ فوق القَشِّ، ثُمَّ يُغطي المذود بقطعة قماش. انهمك الأولاد بالعمل بِكُلِّ فرح.
بعد دقائق، أخذ سارجيوس يطوف بين الأولاد، ليرى ما صنعوا، وإنْ كان أحدهم بحاجة إلى مساعدة. كان كل شيء على ما يرام، إلى أنْ وَصَلَ سارجيوس إلى جانب ولد صغير اسمه "ميشا". كان ميشا قد صنع مزودًا بسيطاً ووضع فيه القش، لكن سارجيوس استغرب عندما رأى طفلين في المذود.
ظنَّ سارجيوس أن ميشا لم يفهم القصة جيدًا، فانحنى بجانبه
وطلب منه، أنْ يُعيدَ له قصة ميلاد يسوع. روى ميشا القصة بكلّ دقةٍ، إلى أنْ وصلَ إلى الجزء حين وضعت مريم الطفل يسوع في المزود. حينها، أكْمَلَ ميشا القصة قائلاً: " عندما وَضَعَت مريم، الطفل في مِزْوَدٍ، نظرَ إليَّ يسوع وسألني إن كان لديَّ مكان لأسْكُن فيه. أجبته أنَّه ليس لي أبٌ أو أمٌّ، لذلك ليس لي مكان لأسْكُن فيه .حينئذٍ قال لي يسوع، يمكنكَ أنْ تَمْكُثَ معي.
لكنني أجبته، إني لا أستطيع أنْ أقبلَ دعوته، إذ ليست لي أيّة هديّة، لكيّ أُقدمها له، كما فعل الآخرون. لكن مع ذلك، كنت أرغبُ مِنْ كُلِّ قلبي، أنْ أكونَ مع يسوع، فأخذت أفَكِّرُ بما عندي كي أعطيه. فكَّرْت أنَّه إذا نِمْتُ معه في المذود، ربما أستطيع أن أعطيه بعض الدفء. سألت يسوع:
إن مَنعتُ عنك البرد وجعلتك تستدفىء، هل يكفي هذا هديّة لك؟
أجابني يسوع: إنَّ هذا أعظم هديّة أكون قد استلمتها. بعد ذلك، دخلتُ إلى المِذْوَدِ بجانِبِه. فنظرَ إليَّ يسوع وقال:" تقدر أنْ تَسْكُنَ معي إلى الأبد."
حين أنْهَى ميشا قصته، كانت عيناه قد إمْتَلَأَتا بالدموع. وضع رأسه بين يديه وأخذ يجهش بالبكاء. لقد وَجَدَ هذا الصبيّ اليتيم من لن يتخلّى عنه أو يتركه أو يؤذيه. وَجَدَ شخصًا يَمُكُثُ معه إلى الأبد، وَجَدَ الرَّبَّ يسوع.
إنَّ حياتَنا على الأرضِ لا تخلو من الآلامِ والأوجاعِ وخَيْبَةِ الأمل. قد نَحْتَرِقُ لخِيانَةِ أحَبِّ الأحِبَّاءِ ونَتَأَلَّم لقَسْوَةِ أقربِ الأقرباء. وقد نَشْتَاقُ إلى صَدْرٍ دافِىءٍ حَنُونٍ نُلْقٍي عليه رأسنا وذِراعَيْنِ قَوِيَيْنِ يَحْمِلانِنا فوق شُرور وآلام هذا العالم. قد نَشْعُرُ أنَّنا لوحدنا وليس لنا من يَضُمُّنا إليه.
لكن الرَّبَّ يسوع قال:" أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ." (يو ١٠: ١١).
" تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ." (متّى ١١: ٢٨).
" وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِين." (متّى ٢٨: ٢٠).