أراد راهب أن يمضي بضعة أيام في عزلة روحية. فذهب إلى دير يقع في منطقة مزّقتها الحرب الأهلية. فكان يسمع في أثناء تأملاته أزيز الرصاص ودويّ القنـابل. وفي صبـاح أحد الأيـام، بينما كان يسيـر في حديقة الدير، ويصلي لأجل السلام ويناجي الخالق، فتح الكتاب المقدس وقرأ فيه:" ها إن الفأس قد وُضِعَت على أصول الشجر. فكل شجرة لا تُثمرتُقطع وتُلقى في النار". وأغلق الراهب الكتاب وغاص في تأمل هذا الكلام. وحدَّث نفسه قائلاً: إن كلام الله يعنينا: إننا خُلقنا كالشجر. فكل من يسمح للشيطان بأن يدخل إلى نفسه يفسد، ولا يُخرج ثمرًا. ولن يكون صالحًا إلا للقطع والحرق في نار جهنم.
وتابع الراهب تأمله مناجيًاربه: لماذا خلقتَ يا رب الإنسان كالشجرة؟ لماذا لم تجعله كالجدار أو كهذا الباب الحديدي؟ إنهما شديدا الصلابة، ولا يمكن لشيطان أن يدخلهما!
وفيما هو يناجي ربه على هذا النحو، سقطت قذيفة مدفع في الحديقة وتطايرت شظاياها. واخترق بعضها الباب الحديدي فأحدث فيه ثقوبًا. وصدَم بعضها الآخر الجدار فأحدث فيه فجوات. وكادت أن تُصيب الراهب بضع شظايا، لو لم يكن محميًا وراء شجرة زيتون. فدخلت الشظايا جذع الشجرة، وأحدثت فيه أثلامًا. فخاف الراهب وارتعد وهرع إلى الملجأ. وعاد الراهب إلى بلاده، بعد انقضاء مدة خلوته الروحية، واهتم بوعظ الناس وتعليمهم. لكن الأسئلة التي دارت في ذهنه، حين سقطت القذيفة، لم تبرح باله.
وحلّ السلام في تلك المنطقة بعد أربع سنوات. وزار الراهب الدير ثانية لخلوة روحية أخرى. وأسرع عند وصوله إلى الحديقة ليعاين المكان الذي كاد أن يكون مثواه لولا عناية الله. ونظر إلى الباب الحديدي، فوجد الثقوب في مكانها وقد أحاطها الصدأ، وبدأ يمتد إلى الأقسام السليمة. ورأى في فجوات الجدار حشرات وقوارض قد بنت أعشاشها فيها، وزادت من العيوب التي أحدثتها الشظايا. ونظر إلى شجرة الزيتون، فوجدها مورقة وقد انحنت أغصانها من كثرة الثمر. ولم يجد في الجذع أثراَ للأثلام لأن القشرة الخارجية سقطت، وظهرت قشرة أخرى مكانها. ففكر الراهب فيما رأى وقال:
أشكرك يا خالق السماء والأرض،لأنك حفظت حياتي من الموت...
الشجرة لا زالت حية،ونسيَت الإساءة، وهاهي تعطي ثمرًا وفيرًا...