أَشكُرُكَ يا ربّي يسوع المسيح،
القدّيس مقاريوس الإسكندريّ، عيده في 19 كانون الثاني
روى القدّيسُ مقاريوس الإسكندريّ أنّه في يوم من الأيّام إذ كان جالسًا عند باب قلايّتِهِ، حضر بين يديه رجلٌ عليه أَسمالٌ باليّة، وسَجَدَ له قائلاً: يا أبتاه أسألُكَ أن أكون تحت ظلِّكَ، وآخُذ برَكَةَ صلواتِكَ المقدَّسة. فأجابه القدّيس: حبًّا وكرامة.
سكن هذا الغريب في قلايّة إلى جانب قلاية القدّيس. كان فقيرًا جدًا في أمور العالَم لكنّه كان غنيًا بنعمة ملكوت السّموات.
وفي إحدى ليالي الشتاء القارصة، وقع ثلجٌ ورعدٌ وبردٌ شديد ولم يكن له شيء يتغطّى به غير قطعة عباءة مخرّقة. فتذكّر القدّيس مقاريوس ذلك الرّاهب وضعْفَ حالِهِ وأخذ عكّازه وخرج يفتقده. وإذ وقف بباب القلاية وكان الظلام شديدًا، سمع صوتَه من داخل وهو يتهلّل ويفرح ويشكر الرّب يسوع المسيح ويهتف:
"أشكرُكَ يا ربّي إذْ وهبتني هذه النّعمة العظيمة الجزيلة والمواهب الجليلة الفاخرة الّتي هي العافية! يا ربّي كَم من الملوك والأكابر والسّلاطين يواجهون أعداءَهُم الآن، ومنهم من كُسروا ونُهبت أموالُهم وأملاكُهُم، وأولادُهم يُباعون، وقوم منهم دُكَّت حصونُهم وقلاعُهُم وهربوا وغيرُهم في السّجون، قلوبهم مملوءة أحزانًا. أمّا أنا يا ربّي، فخالي القلب والفكر من جميع هذه الشرور والهموم...
أشكرُكَ يا ربّي يسوع المسيح... كم من الأغنياء من ذوي الأموال الكثيرة فيهم مرضَى وبُرص ومصابون بعِللٍ شديدة، وغيرهم عيونُهُم تلفَتْ بأصناف أوجاع كثيرة لا تنفعهم أموالُهُم وليس لهم شفاء، يشتهون أن يكونوا كغيرهم...
أشكرُكَ يا ربّي يسوع المسيح... كَمْ من السّجناء الآن ينتظرون قطْع أجسادِهِم وربّما موتَهُم، وقلوبُهُم مملوءة همومًا وأفكارًا. وأنا، يا ربّي، في منأى عن كلّ هذه المصائب...
أشكرُكَ يا ربّي يسوع المسيح... كَمْ في العالَم من السّجناء في هذه السّاعة مُثقلون بالحديد لا يستطيعون مَدَّ أَرجُلِهِم، وأنا، يا ربّي، أَمُدُّ رِجْلَيَّ هكذا، مرتاحًا"...
ثم مَدَّ رِجلَيهِ وقبَّلَ الأرضَ، وشَكَرَ الرّبَّ:
"أَشكرُكَ يا ربّي يسوع المسيح... كم مِن إنسانٍ قُطِعَتْ يداهُ أو رِجلاهُ أمّا أنا فسالِمُ اليَدَينِ والرِّجلَين وسائر أعضاءِ جسدي! أَشكرُكَ، يا ربّي وإلهي يسوع المسيح، على هذه النّعمة العظيمة الّتي أعطيتني"!
ثم قام لِيُصلِّيَ وإذا بالمسكِنِ قد أضاءَ كلُّهُ مِن نوره. فلمّا رأى القدّيسُ العظيم مقاريوس ذلك تَعَجّبَ مِن كثرةِ تمييز هذا الإنسان وانصرَفَ وهو يُسَبِّحُ اللهَ لَهُ المَجد.
=====
* عدمُ الشكر خطيئةٌ كبرى. وقد أَبانَ المسيحُ هذا الأمرَ حين قال للأبرص الغريب الذي عاد ليَشكرَهُ: أليس العشرة قد طَهُروا؟ أين التسعةُ الآخَرون؟ لَمْ يَطلُب المسيحُ الشكرَ مِنَ المَرضى العشرة من أجلِ نفسِهِ بلْ مِن أجلِ نفوس هؤلاء المرضى. لتقديمِ الشُكْرِ نَفْعٌ كبيرٌ يعود إلى صاحبِهِ. (القديس باييسيوس الآثوسي).
* لِنَعِشْ في جوٍّ من التمجيد المُستمرّ والشكْرِ لله، فعدَمُ الشكرِ هو أكبر خطيئة. (القديس باييسيوس)
* يا لها مِن جسارةٍ عمياء، جسارةِ عدمِ الشُكر. فإنَّ الذي سَجَدَتْ له القبائلُ الغريبة، بِما أنَّهُ السيِّدُ والربُّ، مُكرِّمةً إيَّاهُ بالهدايا، كان أَخِصّاؤُهُ يَلتمسون قتْلَهُ بحماقةٍ عندما ظَهَرَ. فارْثِ لنفوسِنا أيُّها المسيحُ الإلهُ وخلِّصنا. (كتاب المينايون 3 كانون الثاني، صلاةُ النوم).
* ينبغي أنْ نُدرِجَ في عريضةِ توسّلاتنا شُكرًا خالصًا قبْل كلِّ شيئٍ آخَر، ثُمَّ اعترافًا بهفواتِنا وتندُّمًا حارًّا عليها، وبعد ذلك نَعرضُ سؤالَنا لمَلِكِ الكُلّ، (السلَّم إلى الله، المقالة 28 : 7)