عادَ إلى غرفتِه يملؤه الألمُ ويُضنيه الجوعُ بعدَ صيامٍ طويل.
إلاَّ أنَّه كانَ عاجزاً عنْ تناولِ الطّعامِ، وأحسَّ بطعمٍ مُرٍّ في حلقِه، وكأنَّه السّم.
فبدّلَ ملابسَه وجلسَ بثقلٍ إلى طاولتِه الصّغيرة، يبكي وتتبلَّلُ لحيتُه بالدّموعِ.
ثمَّ تناولَ الكتابَ المُقدَّسَ، وقبلَ أنْ يفتحَه وقفَ ونظرَ إلى المصلوبِ وسألَه:
"ماذا فعلتُ يا ربّي لكي يكرهوني إلى هذا الحدّ؟"
وفي اللّحظةِ نفسِها أحسَّ بقشعريرةٍ وبلهيبٍ يخترقانِ جسدَه وقلبَه.
وأتاه صوتٌ صامتٌ مِنَ الصّليبِ، صوتٌ نزلَ عليه وغلّـفَه:
"وأنا ماذا فعلتُ حتَّى أَبغضَنِي الَّذين صلبوني، إلى هذا الحدّ؟"
فأخذَ نفسَاً عميقاً وأحسَّ بارتياحٍ كبيرٍ...
"فهمتُ، أغفرُ لهم...
لا بأس، سأعودُ إليهم وسأُكرِّرُ المحاولة.
القديس نكتاريوس العجائبي