هل تنسى المراة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها حتى هؤلاء ينسين و انا لا انساك (اش 49 : 15)
+ قصه حدثت بالفعل
عندما ذهب الى الدير ترك خلف ظهره كل شىء فى العالم و كان أثمن ما تركه "والديه" و كانا فى ذلك الوقت بصحة جيدة يعتمدان على نفسيهما فى قضاء امورهما .. اما هو فبعد مشورة الهية اخذ قراره و شد ترحاله الى البرية طالباً خلاص نفسه ...
يومان فى حياته لا ينساهما أبداً .. يوم خروجه من العالم و يوم رهبنته وهو راقد على الارض يصلون عليه "أوشية الراقدين" .. عاش فى الدير اياماً و سنيناً تجاوزت العشرين عاماً لم يخرج خلالها خارج اسواره الا فى حدود البرية ...
كان عمله فى العالم طبيباً و لكنهم أوكلوا اليه فى بداية رهبنته اعمالاً اخرى صعبة تحتاج الى مجهود جسدى كى لا يجد ذاته فيها (حسب رؤية الدير فى ذلك الوقت) فكان يؤديها بمنتهى الامانة و الاخلاص .. هنا و يشهد الله له انه لم يحب فضيلة فى حياته مثلما احب "الاخلاص" فمنذ صباه كان مخلصاً لكل الناس و مخلصاً لكل عمل يؤديه... وبعد كل هذا الزمان لابد و أن يكون الاخلاص قد اصبح جزئاً من كيانه !!
وفى احدى الليالى استدعاه المسؤلين فى الدير و طلبوا منه ان يقوم برعاية احد الشيوخ المرضى .. وكان هذا الشيخ قبل مرضه راهباً متوحداً مشهوداً له بالبر و التقوى و القداسة و الزهد فى البرية كلها و قد تناوب على خدمته بعض الاباء الرهبان و لكنه لم يرتاح معهم !!
قبل الراهب طلب الدير و خاصة بعد ان عرف ان ابوه الشيخ قد طلبه بالاسم ليرافقه فى ايامه الباقية على الارض!! .. بل استطيع أن أهمس اليكم بانه "فرح" .. نعم فرح بهذا الطلب لما فيه من فوائد روحية كثيرة له .. رغم ان قواه الجسدية قد بدأت تخور و هو الذى تجاوز الخمسين من عمره !!!
وفى احد الايام أتاه من اخبره بان اباه بالجسد قد داهم شيخوخته مرضُ عضال اقعده عن الحركة و ان امه المسنة قد اعياها التعب فى خدمته و لم يكن له غير اخ واحد وحيد هاجر الى اقاصى الارض ... و لا استطيع ان اصف لكم مقدار الافكار التى زرعها عدو الخير فى قلبه و فكره فى ذلك اليوم ....
* كيف تترك ابوك المقعد و امك المسنة و ليس لهما من يخدمهما و انت هنا تخدم شيخاً اخر قد يكون له رهباناً كثيرين غيرك يخدمنوه ؟!
* كيف تقصر هكذا فى حق من انجباك و ربياك و صنعا منك رجلاً و ليس لهما الان من يعتنى بهما ؟!
كانت الحرب قاسية عليه و طلب من الرب بلجاجة ان يرفعها عنه و فى احدى الليالى بعد ان اتم قانون صلواته و ميطانياته جلس ليستريح قليلاً بجوار ابوه الشيخ فى قلايته ليواصل رعايته .. و اخذ يقرأ فى كتابه المحبوب "ميامر مار اسحق السريانى" و لا اعلم ماذا حدث له هل اخذته غفوة ام كان حلماً ام رؤية .. لا اعلم .. و لكنه تذكر جيداً انه نعس ثم تنبه ليجد اباه بالجسد راقداً مكان ابوه الشيخ على نفس السرير فى القلاية .. و انه قام بخدمته و اعطاه دوائه فى الميعاد .. بل و حقنه ببعض المسكنات و تاكد من ذلك بعد ان وجد السرنجة و الامبول الفارغ على المنضده بعدما تنبه .. مع ان الشيخ لم يستخدم هذا العقار من قبل!
ومع بذوغ الفجر اسرع الراهب الى قلايته و طرح نفسه ساجداً بدموع امام الله قائلاً: اشكرك يارب .. اشكرك فرسالتك وصلتنى انا التراب و الرماد .. اخطأت سامحنى ...
نعم وصلته رسالة من الله قال له فيها " ان عنايتك بابيك الشيخ هى فى الحقيقة عناية بابيك الجسدى و انا الضامن لذلك!! انت تركت العالم من اجلى و اتيت هنا لخلاص نفسك و تركت لى ( أثمن ما لديك) والديك فى رعايتى انا . اتركهم لى و انا ادبر امورهما بطريقتى و تمم انت عملك الذى اؤتمنت عليه!!"
وبعد ذلك رُفعت عنه حرب الافكار و صار فى داخله سلام عجيب اذ شعر انه على قدر اخلاصه فى خدمة ابوه الشيخ سيرسل الله من يهتم بوالديه بالجسد .. و هذا ما حدث بالفعل!!!!
((حدثت و لاتزال احداثها جارية .. و قد سردتها بتصرف))