"الطويل الأناة يصبر إلى حين، ثم يعاوده السرور" (يشوع بن سيراخ 1: 29)
أندرو شاب عنده 26 سنه، هو الإبن الوحيد ، والدته متوفيه ووالده مريض بشلل بسبب حادثة عربيه ، وفاة والدته تسبب فى رسوبه فى سنه تالته ومرض والده تسبب فى رسوبه فى سنه رابعه ... إتخرج سنة 2016 .
أندرو تقريبا مافرحش دقيقه على بعضها ، كل حياته هموم ،من أول ما أتولد مريض بالسكر ، لغاية ما يوم العمليه فى المستشفى ..
بعد ما أتخرج من الكليه وخد شهادة المعافاه من الجيش عشان وحيد ، لف على كعوب رجليه عشان يشتغل بشهادته مافيش خالص شغل ...
كل ما يروح لمحامى يقوله مرتبك 500 جنيه لغاية ما تدرب ، واصلا ال 500 جنيه دول مايكفهوش مواصلات الشهر كله ..
يوم 21/2/2017 اتصل به صاحبه الساعه تسعه الصبح ، وقاله على وظيفة مندوب مبيعات بمرتب 2500 ، وأكد عليه لازم تتصل بيا اول ماتوصل هناك عشان من غيرى مش هاتعرف تدخل ، وبسرعه لحسن الوظيفه تتاخد ، فرح أندرو وقال اخيراً الحظ هايضحكلى ، مع ان المرتب ده مايأكلش عيش حاف ، بس بالنسبه لواحد فى حالة أندرو وبؤسه كان حاجه كبيره جدا جدا فى عينيه ..
نزل من بيتهم وركب المترو عشان يلحق الأنترفيو ...
وصل الشركه وبيطلع الموبايل عشان يتصل بصاحبه لكن للأسف تليفونه إتسرق .
لف يمين وشمال التليفون مالهوش أى أثر ، ومش فاكر رقم تليفون صاحبه ، دخل للأمن قالهم انا تبع عماد أيمن ( أسم صاحبه ) لكن مافيش فايده مارضيوش يدخلوه ..
عدا من الوقت حوالى نص ساعه وماعرفش يتصرف ، لغاية ما جاتله فكره بإنه يدخل إنترنت كافيه يفتح الفيس ويكلم صحبه ، بعت مسج لصاحبه بكل الحكايه وإنه واقف على باب الشركه مستنيه ... وسلم أمره لربنا وقعد على رصيف الشركه مستنى صاحبه .
عدا حوالى ساعه ونص وصاحبه جه ...
جريوا على الشركه يلحقوا معاد المقابله اللى انتهى من 45 دقيقه ، والنتيجه ... للأسف الوظيفه إتاخدت .
حزن أندروا حزن شديد جدا جدا ، خصوصاً بإنه محتاج الوظيفه دى جدا ، معاش والده مش كافى لربع تكاليف العلاج .
هايجيب منين ، تعب جداا ، طيب هاياكل منين ويراعى والده إزاى ؟
مشى فى الشارع بيكلم نفسه بصوت عالى بعد ما جاب آخره ..
ليه يارب ؟ هو انا مش من حقى أفرح ؟
دا انا ماشوفتش يوم حلو فى حياتى ، أمى وخدتها ، والدى ومشلول ، حتى انا مرضتنى السكر من صغرى ...
كليه وسقطت فيها سنتين ، والشغل مش لاقيه وهانموت من الجوع ... سكت ودموعه زى الأطفال على وشه ، وكمل كلامه بصوت عالى..
ياااااارب خدنى وريحنى ، خدنى وريحنى . فضل يصرخ لغاية ما أغمى عليه .
فتح عينيه لقى نفسه فى عربية الإسعاف وكمامة الأكسجين فى فمه ،ومحاليل متعلقه فى دراعه ، وممرض جنبه باصص لعداد نبضات القلب ..
وصل المستشفى ، دخل غرفة العمليات ، دكتور البينج بيسأله إسمك إيه ، لاقاه فاقد الوعى تماماً ...
قال دا مش محتاج بنج أساساً ،وأعطاله جرعه خفيفه من البنج ، وتمت عملية إستئصال الزايده ...
عدا يومين ، أندروا صحته إتحسنت شويه ، جاله الدكتور المتابع لحالته بيطّمن عليه ، أندرو بيقوله ..
- هو أنا هاخرج أمتى ؟
- كمان يومين كدا ، صحتك تتحسن شويه ونكتبلك على خروج ..
- لا انا لازم اخرج انهرده ، ابويا راجل مريض وماينفعش اسيبه ..
- هو ممعهوش حد ؟
- والدتى متوفيه ، لكن فى واحده جارتنا كتر خيرها ، بترعانا ..
- خلاص لو حابب تخرج ، هانستى لغاية بكره ،الحاله تستقر ، ولو عدى انهرده وحالتك كويسه هاكتبلك على خروج بكره ، بس بعد إذنك محتاج منك تمضى على الشيك ده .
- شيك ! انا ماعنديش حساب فى البنك أساسا .
- مش مشكله ممكن تدفع كاش .
- يا دكتور انا ماحتكمش غير على خمسين جنيه كانت فى جيبى ، ودلوقتى الله واعلم راحت فين ..
- امممممم ، طيب انا هابعتلك نائب المدير يتكلم معاك ، وهو يتصرف ..
قعد أندرو وهو مكتئب جداً وكإن صراخه لربنا عاد عليه بعقاب زايد ، راحت عينيه لشباك مفتوح ومكتوب عليه كلمة ، يااارب .
نزلت دموعه وقال ...
يارب ..
لو كانت حياتى غلطه ، خلقتنى ليه ؟
خلقتنى عشان تعذبنى ؟
طيب انا عملت ايه غلط عشان اتعاقب عشانه ؟
انا من صغرى وانا طعم المرار مش مفارقنى ، يرضيك كدا ، اتحط فى ضيقه زى كدا وانت عارف كويس انى مش معايا فلوس ، تقوم تبعتلى مشكله أكبر ، اجيب فلوس المستشفى منين ؟
وسط كلامه مع نفسه ودموعه غرقت المخده ، دخل عليه نائب مدير المستشفى .. راجل طويل وبشرته سمرا وشعره أبيض ، حواجبه غزيره ، وشه مقفول بعلامة غضب ، وقال بنبره عاليه ...
- ايه ياعم اندرو الكلام اللى انا سمعته ده ، انت مش عارف ان دى مستشفى خاصه ...
- يا دكتور اصل ....
وحكى اندرو حكايته للدكتور من اولها لأخرها ..
كمّل الدكتور وقال ..
- وبعدين مين هايدفعلك المصاريف دلوقتى ؟
- يا دكتور انا ممكن امضيلكم على الشيك وخلال شهرين ، هاشتغل اى شغلانه ،انشالله زبال حتى وهاجيبلكم المصاريف فى الميعاد ، ولو ماجبتهاش قدم الشيك للنيابه وأحبسنى ، اعتبرنى ابنك واستلفت منك المبلغ ده وهارجعهولك خلال شهرين ...
الدكتور ، طلّع التليفون ، بيتصل ..
ساعتها أندرو روحه كانت هاتطلع لما شاف علامات الغضب على وش الدكتور وقال فى نفسه ، خلاص هاتحبس ..
خرج الدكتور بره يتكلم فى التليفون ..
عدت دقايق ورجع بنفس علامات الغضب ، وقال لإندرو ..
- بتفهم فى القانون .
- يا دكتور انا تقديرى كل سنه بيكون جيدا جدا ، وسقطت مرتين بسبب ظروفى اللى حكتهالك ، بس بتسأل ليه ..؟
- هاتشتغل معانا فى الشئون القانونيه بمرتب شهرى 4000 جنيه ، وأول ما تسدد اللى عليك لو شغلك كويس هانعملك عقد معانا ..
علامات فرحه على وش أندرو صابته بالخرس المؤقت ...
مشى الدكتور خطوتين للباب ، ورجع بيقول ..
- على فكره انت ربنا بيحبك لإن الوظيفه ده فضيت إنهرده .