وتكونون لي شهودا....
فى أحد سجون روسيا كانت الفتاة العشرينية الجميلة تقبع بركن فى زنزانتها مصلية :
( أشكرك أيها الإلة القدوس الحق ، لقد سمحت لى أن أخدمك ، زرتك فى السجن وأنت مريض ، وأطعمتك وأخى وأختى فى الزنزانة المجاورة جوعى ، ضمدت جروحك وأنا أسكب زيتًا أطفيء به نيران السوط فى يد الجلاد القاسى تهوى على ظهر أخى وأختى المحبوسين معى .. أشكرك سيدى أن سمحت لى أنا غير المستحقة أن أشترك معك فى سجنك وجلداتك وجروحك ، وخدمة إخوتك أيضًا .. )
سألتها : من أنت أيتها البهية الجميلة بجراحاتك وتشوهات وجهك الشاب الجميل ؟ ..
قالت : أنا فتاة روسية سمح إلهى أن أولد محرومة من الكنيسة فى زمن الشيوعية ، إهتمت أمى وجدتى بأمر تسليمى الإيمان بعد سجن والدى وإعدامه بسبب إيمانه المسيحى ، كانتا تقرآن لى الكتاب المقدس سرًا فأحببت الرب من كل قلبى ، وكنا نستقبل الكاهن مختبأ مستترًا بالظلام ليصلى لنا القداس الإلهى داخل دهليز تحت الأرض ويناولنا القربان المقدس حتى قبض عليه هو الآخر ولا نعرف مصيره بعد ..
قلت لها : ولماذا أنت فى سجنك الآن إبنتى ؟ هل أتيت ِ بفعل يستوجب العقاب ؟
قالت : لقد قبضوا علىّ وأنا أنادى بالإيمان أشجع المؤمنين وأواسى أرامل الشهداء وأسلم الإنجيل لأيدى الأطفال والشبان ، رأى الله القدوس أمانتى فأقامنى على أمانة أكبر ، إننى الآن بالسجن أخدم المعترفين وأشدد الضغفاء وأضمد الجروح وأصلى من أجل الكل ..
مرت خمسة سنوات على هذا اللقاء ، وداخل قطار يعبر القارة الأوروبية دهشت أن أراها ثانية وقد إلتف حولها الناس تكشف لهم جروحها بلا خجل تحكى قصة كنيسة مضطهدة وشعب جريح ، تدعوا إلى الإيمان وتنادى بالتمسك بالمسيح المخلص المصلوب ..
إقتربت منها وسألتها : من أتى بك إلى هنا ؟ ومتى أفرجوا عنك ؟
قالت : لقد يأسوا منى وإنزعجوا من خدمتى لإخوتى السجناء فقرروا إلقائى بصحراء سيبيريا ألقى مصيرى جوعًا أو طعامًا للوحوش الضارية أو صريعة الثلوج والبرد القارص ، هم أرادوا بى شرًا ، أما الرب فقد حول الشر إلى خلاصى إذ لحقت بهذا القطار العابر للصحراء إلى أوروبا الشرقية لأكمل رسالتى الكرازية وأخدم كنيستى المضطهدة .. !!
وهنا ، وقف رجل يبدو أنه صحفى وقد شده المشهد متأثرًا بحاسته المهنية يسألها :
( سيدتى ، لا أظن وأنا أرى جروحك وأستمع إلى قصتك ، وأشهد لشجاعتك وكفاح خدمتك ، لا أظن أن رجلًا من كل رجال الكنيسة وكهنتها يمكن أن يفوقك فى عملك المجيد هذا .. دعينى أسألك سيدتى ، هل لى أن أرفع قضيتك فى المحافل الدولية وأطالب الكنيسة أن تمنحك كهنوتًا ؟ .. إنك بهذا تخدمين بنات جنسك فى كفاحهن للحصول على حقهن فى الكهنوت .. ألا ترى معى ......... ) ..
قاطعته بصوت لطيف رقيق ، حازم :
( سيدى ، أنت لا تفهم ، أنا إبنة لكنيسة علمتنى أن من أراد أن يكون عظيمًا فليكن خادمًا للجميع ، أنا من كنيسة تنادى أن من أراد أن يكون أولًا فليكن آخر الكل ، كنيستى وإنجيلى علمانى أن على ّ واجبات أؤديها ولا حقوق لى إطلاقًا .. أتقدم إلى الملكوت بروح طفلة صغيرة وأقبله كولد صغير .. هذا ما علمنى المسيح القدوس إياه .. )
إنحنيت إلى يدها أقبلها ، أما هى فقد كانت أسرع منى فى خطف يدها ولم تمكنى من هذا الشرف .. فرحت أنحنى وأقبل كل طفل وكل طفلة فى الكنيسة .. وأراهم فى وجه قديسة عاشت زمن الشيوعية البغيض ، وعرفت معنى الكنيسة ، وعلمتنا ما هى الخدمة وكيف تكون .. !!
( عن قصة حقيقية ، سجلها تاريخ الكنيسة الروسية فى نهاية ستينيات القرن الماضى .. )