أكتر المواقف قسوة على أى حد هى فكرة فقد شخص عزيز خصوصًا بوفاته ..
طيب لما تكون معتقد إن أنت السبب فى وفاة الشخص العزيز ده ؟ .. الوضع بيكون أكتر قسوة وحياتك بتتفرمل عند النقطة دى .. فى كتاب ( you can heal your life ) تأليف الكاتبة "لويز هاى " بتحكى عن قصة حقيقية حصلت لـ ظابط الطيران الأمريكى " جيل هالفورسن " بعد الحرب العالمية الثانية بـ 3 سنين .. " جيل " دخل فى نوبة إكتئاب حادة لأنه كان شايف إن هو السبب فى موت إبنه " آدم " .. " جيل " كان راجع من شغله وقابل واحد صاحبه وخرج معاه نصف ساعة قعدوا ع قهوة عشان كان بقاله كتير مقابلوش وللأسف بسبب تأخيره النصف ساعة دى إبنه " آدم " اللى كان عنده وقتها 6 سنين وكان قاعد لوحده فى البيت لما لقى أبوه اتأخر قرر يجود ودخل المطبخ عشان يعمل لنفسه أكل لأنه كان جعان .. بسبب لخبطة فى التعامل مع البوتجاز حصلت حريقة والبيت ولع فى ثوانى والولد مات مخنوق .. الحقيقة إن اللى مات حرفيًا يومها هو " جيل " اللى كان ملوش فى حياته بعد وفاة زوجته من 4 سنين غير إبنه وبالتالى أعتبر نفسه هو اللى قتله بسبب تأخيره؛ مع إن الموضوع بشوية عقل وتفكير مش هيكون كده خالص ومش أكتر من تدابير قدرية وأعمار .. دخل نوبة إكتئاب وفشل فى الإنتحار أكتر من 5 مرات متتالية وفى كل مرة كان بيتلحق بمعجزة .. من خوفهم عليه؛ أهله بقوا يعملوا عليه ورديات عشان عينهم تبقى عليه دايمًا .. دى تمشى .. ده يبات .. دى تفسحه .. ده ياخده يعزمه على مطعم .. ماكنوش بيسيبوه لحظة .. قعد ع الوضع ده 9 شهور .. فين وفين وتحت ضغط أهله وزملائه وبطلوع الروح أقنعوه إنه يرجع للشغل مرة تانية عشان الحياة تمشى .. أو عشان تبقى قرأت الجملة صح ( هو عمل نفسه مقتنع ) ! .. يعنى إيه ؟ .. " جيل " نفسه بيقول إنه كان مرغم ع خطوة الخروج مرة تانية للعالم وزهق من ضغط أهله عليه وقرر إنه يرجع الشغل لسبب تانى خالص .. هو هيتظاهر إنه خلاص بقى تمام وهيتعامل عادى وهووووب وهو سايق الطيارة الحربية بتاعته هيطير يلبس بيها فى أى جبل ولا مبنى ويخلص من حياته عشان دى اللحظة الوحيدة اللى محدش كان هيكون حواليه ولا هينقذه ! .. عمل كده فعلًا وفى أول يوم شغل كان من ضمن مجموعة من الطيارين الأمريكان مهمتهم يطيروا فوق ألمانيا بعد الحرب وخصوصًا فوق مدينة برلين عشان يرموا أكياس دقيق فوق الناس هناك لأن ظروفهم المعيشية كانت صعبة .. " جيل " مقدرش يفلفص يومها من باقى زمايله الطيارين اللى موجودين حواليه بطياراتهم وقرر يعمل المحاولة بتاعته بعدين مش اليوم ده بالذات .. رموا شوية من أكياس الدقيق وكان فيه منطقة لازم ينزلوا فيها بالطيارات ع الأرض عشان يدوا الناس الدقيق يدًا بيد .. نزلوا بالطيارات وباقى الطيارين وزعوا أكياس الدقيق ع السكان .. " جيل " كان واخد جنب وهو بيتابع اللى بيحصل؛ فجأة لقى حد بيشده من كُم بدلته العسكرية .. بص لقاه عيل صغير عنده 6 سنين بيشاور على بُقه بما معناه جعان ! .. طفل ألمانى هدومه مبهدلة وملامحه شاحبة .. لما " جيل " مد إيده عشان يمسح على خده لأنه شاف فيه صورة " آدم " إبنه؛ ظهر فجأة من ورا الطفل حوالى 30 طفل تانيين بنفس الملامح الشاحبة والهدوم المبهدلة متعرفش طلعوا منين وكلهم باين عليهم الجوع ! .. عرف منهم إنهم فقدوا أهاليهم فى الحرب وأغلبهم بقوا أيتام وإنهم هيموتوا من الجوع .. الفكرة إن كمية الدقيق اللى كانت معاه هو وزملائه خلصت كلها وعدد الأهالى كبير ومفيش تانى بس منظر العيال يقطع القلب .. بمنتهى العجز " جيل " مد إيده فى جيبه ودور بيأس .. إيده لمست حاجة جوه .. مسكها وخرج كفه وبص .. لقى قطعتين لبان القطعة الواحدة قد عقلتين صباع .. نوع اللبان اللى كان إبنه بيحبه واللى كان متعود دايمًا يجيبهوله ونسيهم فى جيبه ! .. بدون تفكير إدى اللبانتين للعيال ! .. للـ 30 عيل كلهم .. بيقول إنه أستغرب لأنه كان متوقع إنهم يتخانقوا ع الحتتين لكنهم صدموه لما قسموا اللبان مربعات وحتت صغيرة صغيرة بحيث الكل أكل ! .. مش كده بس لأ دول كمان بقوا يلعبوا بالورق الفضفاض بتاع اللبان ويوجهوه ناحية أشعة الشمس .. أكيد اللبان مشبعهمش وأكيد برضه إن أغلبهم مايعرفش يعنى إيه طعم الحلويات عمومًا؛ ده الناس بيخلطوا الدقيق بـ ميه وياكلوه هيعرفوا اللبان وغيره ! .. لملم العيال حواليه وقال لهم غدًا سأحضر لكم المزيد من الحلوى .. سألوه : ( مثل تلك التى أكلناها ؟ ) .. رد : ( أجل ) .. سألوه : ( هل ستأتون فى نفس الموعد ؟ ) .. رد : ( نعم لكن للأسف لن نستطيع فى الغد الهبوط على الأرض مرة أخرى لكننى سألقيها عليكم من أعلى ) .. سألوه : ( وكيف سنستطيع تمييز طائرتك ؟ ) .. فكر شوية وجت فى باله حركة كانوا بيعملوها فى تدريبات الطيران و رد : ( سأقوم بتحريك أجنحة الطائرة ) .. العيال الصغيرة عجبتهم اللعبة و " جيل " زيه زيهم كان محتاج هدف وحاجة تخرجه من اللى هو فيه وشاف جزء من متعتها فى إنبساطهم .. الفكرة إن الموضوع مش بسيط وفيه محاكمة عسكرية وإتهام بالخيانة لو أتكشف .. أنت ظابط مكلف بنقل أكياس دقيق أى تجويد مش هيكون مقبول وكفاية بس إن حد من زمايلك يوز عليك فتروح فى داهية .. بس " جيل " محسبهاش .. لما رجع جاب علب وكراتين لبان وشيكولاتة ومصاصات .. راح المعسكر تانى يوم بدرى قبل موعد الإنطلاق بـ ساعتين كاملين ودخل حظيرة الطائرات و ربط الشيلة اللى معاه بحبال رفيعة تحت أجنحة الطيارة بتاعته ومربطهاش بقوة .. أنطلق السرب ووصل فوق برلين .. أتحرك " جيم " فوق المنطقة إياها وشاف الأطفال واقفين تحت .. بعد شوية عن باقى السرب بزاوية مدروسة وبدأ يحرك أجنحة الطيارة .. العيال شافوه .. شاوروله .. مع حركة الجناحات المتتالية بدأت الحبال الرفيعة تتفك شوية بـ شوية وكراتين الحلويات تقع .. العيال بقوا يلقفوها ويتنططوا من السعادة وهما بيشاوروله .. كرر الموضوع ده طول مدة المهمة اللى أستمرت أسبوعين .. كل يوم يربط الكراتين فى الجناحات .. يطير .. يشوف العيال .. يهز الجناحات .. تقع الكراتين .. ياخدوها .. لما أنتهت المهمة كان حاسس إن جزء من روحه أترد له وبدأ يشوف الحياة من منظور مختلف ويحس إن ربنا جعل الموقف ده سبب عشان يخرجه من حالته .. بعدها بكام يوم جاله إستدعاء من مكتب القائد بتاعه اللى أول ما شافه دخل مكتبه شاور له ع كومة جوابات متوسخة ومش نضيفة محطوطة ع المكتب وقال له بغضب : ( أريد تفسير لهذا فورًا ) .. " جيل " مسك كام جواب من الجوابات وبدأ يقرأهم كلهم ولقاهم كلهم بيبدأوا بنفس العنوان ( إلى العم صاحب الطائرة الهزازة والشيكولاتة الطائرة ) .. أكتر من 30 جواب بنفس العنوان وبعد كده كل طفل كاتب فى رسالته شكر له وكاتب من تحت فى آخر الجواب ( شكرًا أبى ) ! .. الخط كان زى النيلة وباين قوى إنه لعيال يادوبك بيفكوا الخط بالعافية بس اللى بين السطور وصل .. " جيل " مقدرش يتمالك دموعه وحكى للقائد بتاعه ع اللى حصل وفوجىء إن القائد بتاعه كان عارف كل حاجة من البداية وإنه لما وصلته المعلومة طنش وقرر ميعاقبوش .. القائد سأله : ( هل أنتبهت لأسماء الأطفال فى توقيعاتهم ؟ ) .. " جيل " هز راسه ومسك الجوابات يبص عليها تانى و فرها كلها بسرعة ولقى إن فيه 11 طفل من إجمالى الـ 30 أسمهم " آدم " .. بإيد مرتعشة وهو ماسك الجوابات سأل القائد : ( هل تعتقد إنها مصادفة يا سيدى ؟ ) .. رد القائد وشاور ع نفسه و على " جيل " ثم شاور لفوق وقال : ( بالنسبة لنا نعم؛ لكن بالنسبة له بالتأكيد لا فالأمور كلها مدروسة ومحسوبة
• لما حد بيتكسر منه حاجة أو بتبوظ منه بالموروث الشعبى اللطيف بتاعنا تلاقيهم يقولوله : ( عوضك على ربنا ) أو ( إستعوض ربنا ) .. ربنا دايمًا عوضه جميل .. مفيش خسارة من أى نوع مفيهاش تعويض آلهى من ربنا .. تعويض يصبر ويداوى .. اللى خسرناهم بوفاتهم ؟ .. موجودين حوالينا بشكل أو بصورة تانية وأرواحهم بتحوم مرفرفة محاوطاك فى كل خطوة بتفرح لفرحك وبيوصل لهم أى خير أو حسنات بتبعتهالهم .. ( عاطل ، لسه متجوزتيش ، سقطت ، مش بتخلف ، حاجة طارت من إيدك ) ؟ .. دايماً اللى بيحصل هو الكويس والأصح ليك حتى لو ماشوفتش ده فى لحظتها ولما بييجى عوض ربنا وتعمل مقارنة بتكتشف إنه اللى فات كان وضع مؤقت .. اللى خسرتهم بسبب المشاعر ؟ .. هيروحوا وهييجى بدالهم واحد وإتنين وألف وحياتك مش هتقف عليهم .. ربنا والله وتدابيره اللى مابتخلصش .. الكاتب " باولو كويلهو" بيقول : ( عندما يرحل أحدهم فذلك لأن أحداً آخر على وشك الوصول (منقولة)