ماذا تعرف عن مدارس الأقباط يا شيخ عامر؟ فاطمة ناعوت
بعد انتهاء بثّ الحلقة الشهيرة، على قناة «القاهرة والناس»، التى استضافتنى والشيخ السلفى «محمود عامر»، فى برنامج «القاهرة 360» مع الإعلامية المثقفة دينا عبدالكريم، وبينما نحن فى طريقنا إلى خارج الاستوديو، رمقنى الشيخُ وقال
ضاحكًا: «طبعًا ما هو انتِ خريجة مدارس مسيحية! مش كده برضو؟».
قالها كأنما أذاع سرًّا حربيًّا خطيرًا! وقبل أن أطرح ردّى على الشيخ الجليل، أودّ أن أُذكّر القارئ الكريم بأسباب تهكّم الشيخ علىَّ وعلى تعليمى ومدرستى.
كنتُ قد سألتُ الشيخ على الهواء سؤالا محددًا:
«هل الدمُ البشرىُّ كلّه سواءٌ، أمْ أن هناك دمًا يفوق دمًا؟ هل هناك دمٌ له ثمن، ودمٌ هدرٌ لا قيمة له؟»،
ثم حددتُ السؤالَ أكثر حين راوغنى الشيخُ محاولا التهرّب من الإجابة، فسألته:
«هل دمُ المسلم يتساوى مع دم غير المسلم فى نهجك؟»، وجاءت الإجابةُ الفاجعة. قال الشيخ: «لا يستوى دمُ المسلم مع دم غير المسلم».
ولما ذكّرتُه بالآية القرآنية:
«مَن قتلَ نَفسًا بغير نَفسٍ أو فسادٍ فى الأرض فكأنما قتل الناسَ جميعًا»،
تحجّج بأنها موجّهة لبنى إسرائيل، وفقط، ولها ظرف تاريخى لا تتجاوزه، إنما حُرمة القتل فقط للدم المسلم!!!!
هنا قلتُ له بحزن:
«أنتَ يا مولانا تعطى لأى مجرم إرهابى رخصةَ قتل إنسان مسيحى، دون أن يخشى عقابًا! فهل أنت جادٌّ وتعى ما تقول؟»،
فأجاب: «مَن يقتل مسلمًا حقَّ عليه القِصاصُ بالقتل،
ومَن قتل مسيحيًّا فلا قِصاص عليه، إنما عليه دفعُ دية»!!!
هنا اشتعل غضبى، وقدمت على الهواء بلاغًا ضد الشيخ أمام الرأى العام والنائب العام، كونه «يُشرعن» هدر الدم، ويمنح رخصة دموية لأى مأفون مهووس بأن يذهب ويقتل مَن شاء من أشقائنا المسيحيين، وهو يعلم أن عقابه (فى عرف الشيخ أو غيره من أضراب المتطرفين) مجردُ حفنة من المال، مقابل الدم، الذى تهتز له أركانُ السماء.
لحظتها فقط فهمت المثل الفلكلورى الدارج، الذى لم أحبّه يومًا:
«اللى تعرف ديّته.. اقتله»!!!!!
وإذن، ظنّ الشيخُ العزيز أن انزعاجى من فتواه الضالّة المُضِلّة المُضللة سببه أننى نشأتُ فى مدارس مسيحية، وبالتالى فأنا أُدينُ لهم بالولاء والحب، بوصفهم أساتذتى ومعلميىّ! تأكد لى لحظتها أن ذاك الرجل مستحيل أن يدرك أن رفضى أفكاره سببه أبعدُ من هذا وأشمل.
إنما أرفض منطقه، وسأظل أرفضه حتى يومى الأخير فى الحياة، لأننى ابنة «الإنسانية» قبل أن أكون ابنة «مدارس الأقباط».
فاته أننى أؤمن إيمانًا نهائيًّا ومطلقًا بأن ربَّ هذا الكون هو «العدل» المطلق، الذى لا يعرف التمييز ولا العنصريات، التى ابتكرها مفسدون من بنى الإنسان، لمآرب مريضة فى نفوسهم.
رددتُ على الشيخ بأننى أفخر بنشأتى فى مدارس مسيحية. ثم وعدتُ نفسى وقرائى بأن أعلّم الشيخَ فى مقال ما غاب عنه من أمور العلم والتعليم والمدارس، فكلّنا يعيش ليتعلّم، مهما بلغنا من العمر.
التعلُّمُ ليس عيبًا، ولا الجهلُ عيبٌ، إنما العيبُ هو أن نجهلَ، ثم نُصرّ على عدم معرفة ما نجهل. لهذا قررتُ أن أخبر الشيخ الجليل بالتفصيل: «ماذا تعلمت من المسيحيين»، وماذا يجرى فى أروقة المدارس القبطية المسيحية، وفى مدارس الراهبات، حتى صارت منذ دهور مرمى أنظار طالبى العلم الرفيع فى مصر.
بعد انتهاء الشيخ عامر من قراءة هذا المقال، سوف يدرك جيدًّا:
«لماذا يتهافت أولياءُ الأمور على إلحاق أطفالهم بمدارس مسيحية. ويسوقون من أجل ذلك شخصيات عامة من مشاهير المجتمع كوسطاء لدى مديرى المدارس المسيحية، للتوصية على أطفالهم حتى يُقبَلوا.
وفى أغلب الأحيان تُرفض الوساطات، ويضطر الأطفالُ أن ينتظروا على قوائم انتظار طولها كالدهر، حتى يبتسم لهم الحظُّ ويدخلوا…
ماذا تعرف عن مدارس الأقباط يا شيخ عامر؟

الأحد 06-08-2017 21:14فاطمة ناعوت
بعد انتهاء بثّ الحلقة الشهيرة، على قناة «القاهرة والناس»، التى استضافتنى والشيخ السلفى «محمود عامر»، فى برنامج «القاهرة 360» مع الإعلامية المثقفة دينا عبدالكريم، وبينما نحن فى طريقنا إلى خارج الاستوديو، رمقنى الشيخُ وقال ضاحكًا: «طبعًا ما هو انتِ خريجة مدارس مسيحية! مش كده برضو؟».
قالها كأنما أذاع سرًّا حربيًّا خطيرًا! وقبل أن أطرح ردّى على الشيخ الجليل، أودّ أن أُذكّر القارئ الكريم بأسباب تهكّم الشيخ علىَّ وعلى تعليمى ومدرستى.
كنتُ قد سألتُ الشيخ على الهواء سؤالا محددًا: «هل الدمُ البشرىُّ كلّه سواءٌ، أمْ أن هناك دمًا يفوق دمًا؟ هل هناك دمٌ له ثمن، ودمٌ هدرٌ لا قيمة له؟»، ثم حددتُ السؤالَ أكثر حين راوغنى الشيخُ محاولا التهرّب من الإجابة، فسألته: «هل دمُ المسلم يتساوى مع دم غير المسلم فى نهجك؟»، وجاءت الإجابةُ الفاجعة. قال الشيخ: «لا يستوى دمُ المسلم مع دم غير المسلم».
ولما ذكّرتُه بالآية القرآنية: «مَن قتلَ نَفسًا بغير نَفسٍ أو فسادٍ فى الأرض فكأنما قتل الناسَ جميعًا»، تحجّج بأنها موجّهة لبنى إسرائيل، وفقط، ولها ظرف تاريخى لا تتجاوزه، إنما حُرمة القتل فقط للدم المسلم!!!! هنا قلتُ له بحزن: «أنتَ يا مولانا تعطى لأى مجرم إرهابى رخصةَ قتل إنسان مسيحى، دون أن يخشى عقابًا! فهل أنت جادٌّ وتعى ما تقول؟»، فأجاب: «مَن يقتل مسلمًا حقَّ عليه القِصاصُ بالقتل، ومَن قتل مسيحيًّا فلا قِصاص عليه، إنما عليه دفعُ دية»!!! هنا اشتعل غضبى، وقدمت على الهواء بلاغًا ضد الشيخ أمام الرأى العام والنائب العام، كونه «يُشرعن» هدر الدم، ويمنح رخصة دموية لأى مأفون مهووس بأن يذهب ويقتل مَن شاء من أشقائنا المسيحيين، وهو يعلم أن عقابه (فى عرف الشيخ أو غيره من أضراب المتطرفين) مجردُ حفنة من المال، مقابل الدم، الذى تهتز له أركانُ السماء. لحظتها فقط فهمت المثل الفلكلورى الدارج، الذى لم أحبّه يومًا: «اللى تعرف ديّته.. اقتله»!!!!!
وإذن، ظنّ الشيخُ العزيز أن انزعاجى من فتواه الضالّة المُضِلّة المُضللة سببه أننى نشأتُ فى مدارس مسيحية، وبالتالى فأنا أُدينُ لهم بالولاء والحب، بوصفهم أساتذتى ومعلميىّ! تأكد لى لحظتها أن ذاك الرجل مستحيل أن يدرك أن رفضى أفكاره سببه أبعدُ من هذا وأشمل.
إنما أرفض منطقه، وسأظل أرفضه حتى يومى الأخير فى الحياة، لأننى ابنة «الإنسانية» قبل أن أكون ابنة «مدارس الأقباط». فاته أننى أؤمن إيمانًا نهائيًّا ومطلقًا بأن ربَّ هذا الكون هو «العدل» المطلق، الذى لا يعرف التمييز ولا العنصريات، التى ابتكرها مفسدون من بنى الإنسان، لمآرب مريضة فى نفوسهم.
رددتُ على الشيخ بأننى أفخر بنشأتى فى مدارس مسيحية. ثم وعدتُ نفسى وقرائى بأن أعلّم الشيخَ فى مقال ما غاب عنه من أمور العلم والتعليم والمدارس، فكلّنا يعيش ليتعلّم، مهما بلغنا من العمر.
التعلُّمُ ليس عيبًا، ولا الجهلُ عيبٌ، إنما العيبُ هو أن نجهلَ، ثم نُصرّ على عدم معرفة ما نجهل. لهذا قررتُ أن أخبر الشيخ الجليل بالتفصيل: «ماذا تعلمت من المسيحيين»، وماذا يجرى فى أروقة المدارس القبطية المسيحية، وفى مدارس الراهبات، حتى صارت منذ دهور مرمى أنظار طالبى العلم الرفيع فى مصر.
بعد انتهاء الشيخ عامر من قراءة هذا المقال، سوف يدرك جيدًّا: «لماذا يتهافت أولياءُ الأمور على إلحاق أطفالهم بمدارس مسيحية. ويسوقون من أجل ذلك شخصيات عامة من مشاهير المجتمع كوسطاء لدى مديرى المدارس المسيحية، للتوصية على أطفالهم حتى يُقبَلوا.
وفى أغلب الأحيان تُرفض الوساطات، ويضطر الأطفالُ أن ينتظروا على قوائم انتظار طولها كالدهر، حتى يبتسم لهم الحظُّ ويدخلوا تلك المدارس المحترمة».
تراودنى الآن ذكرياتى مع مدرستى القديمة، التى لم أشعر فيها يومًا بالتمييز أو باختلاف المعاملة بينى وبين زميلى المسيحى الجالس إلى جوارى على مقعد الدرس.
علّمنى أساتذتى المسيحيون أن إتقان العمل والجدية فى نهل العلم هما السبيل لأن أكون «إنسانًا صالحًا» يُحبّه اللهُ تعالى.
وأن محبة جميع البشر، بمَن فيهم المخطئون فى حقنا، هى أعلى درجات سمو الروح وتهذُّب الأخلاق.
تعلمتُ فى مَدرستى المسيحية أن حفنة من تراب وطنى تساوى كنوزَ العالم، وأن أشرف ما أقف من أجله هو عَلَم بلادى، والنشيد الوطنى لمصر الطيبة.
علّمتنى مَدرستى المسيحية أن أكون صادقة لأن الكذب خِسّة وضعف. وألا أحلف، وألا أقسم، وألا يكون اللهُ عُرضةً لأَيْمانى، وأن يكون كلامى «نعم نعم، لا لا».
وألا ألحَّ وألا أتوسّل، وألا أطلب شيئًا مرتين.
علّمتنى مَدرستى المسيحيةُ أن أشفق على الضعيف وأن أوقّر الكبير، وأن «أفكّر».
لأن عقلى هو أثمن ما منحنى اللهُ من هدايا.
تحيةَ احترام لكل مُعلّمى مدرستى، التى احتضنت طفولتى وجعلت منى إنسانًا طيبًا.