تعليم أنبا مقار عن تلاوة اسم الرب يسوع لأحد الرهبان
القديس أنبا مقار في كثير من أقواله يوصي بتلاوة اسم الرب يسوع بصفة مستمرة (القديس أنبا مقار هو أول من تكلَّم بتركيز عن أهمية ومنافع تلاوة اسم الرب يسوع. وإلى عهد قريب كان يظن العلماء الذين يدرسون تاريخ الرهبنة أن ممارسة تلاوة اسم الرب يسوع نشأت في جبل آثوس في العصور الوسطى، حيث عُرفت باسم ”صلاة يسوع“، وكانت لها صيغة واحدة لا تتغيَّر: ”يا ربي يسوع المسيح ابن الله ارحمني أنا الخاطئ“. ولكن حينما انتبهوا إلى أقوال أنبا مقار وجدوا أن تلاوة اسم الرب يسوع تعود إلى الجيل الرهباني الأول وأنها كانت شائعة بصفة خاصة في برية أنبا مقار. فهي تُعتبر من أهم معالم ميراثه الروحي. )، ويعطي أهمية كبرى لهذه الممارسة، معتبرًا أنها أفضل ما يعمله الإنسان ”لكي يقتني الحياة“.
ولكن لِماذا يُعطي هذه الممارسة هذه الأهمية الكبرى في الحياة الروحية؟
لأنها هي التي تُعطينا أن نثبت في المسيح، وأن يثبت المسيح فينا (يو15: 4-7)، وهي التي تُعطينا التصاقًا بالمسيح: «مَنْ التصق بالرب فهو روح واحد» (1كو17:6).
الاسم يشير إلَى الشخص، لذلك فالتمسُّك باسم ربنا يسوع المسيح هو نفسه التمسُّك بشخص الرب يسوع المسيح.
إذا أمسكتَ باسمه ولَم تَرخه، تكون قد أمسكتَ بالمسيح ولَم تَرخه: «وجدتُ مَنْ تُحبُّه نفسي فأمسكتُه ولَم أَرخه» (نش 4:3).
الوسيلة العملية السهلة لثباتنا في المسيح، وثبات المسيح فينا هي أن نستمر في تلاوة اسمه القدوس والتمسُّك به.
وإن كان القديس أنبا مقار أكثر من تكلَّم عن تلاوة اسم الرب يسوع، لكن قد سبقه في ذلك أنبا أنطونيوس نفسه إذ يقول:
[إن جلستَ في خِزانَتِك قم بعملِ يديك. ولا تُخْلِ اسمَ الربِّ يسوعَ، بل أمسكه بعقلِك ورتِّل به بلسانِك وفي قلبك. وقلْ: يا ربِّي يسوعَ المسيحِ ارحَمني. يا ربِّي يسوعَ المسيح أعني. وقل أيضًا: أنا أُسَبِّحُك يا ربِّي يسوعَ المسيح] (بستان الرهبان قول رقم 24).
هذا الدعاء المثلث يتكرَّر كثيرًا في التقليد الرهباني الأول، والقديس أنطونيوس هو أول مَنْ أوصى به.
لاحظ أن الطلبتَين الأولَى والثانية من هذا الدعاء فيهما طلب الرحْمة والمعونة وأما الثالثة فهي تسبيحٌ خالص.
قصة لقاء أنبا يعقوب بأنبا إيسيذوروس:
[قال أنبا يعقوب: إنني زرتُ أنبا إيسيذوروس دُفعةً، فوجدتُه يَنسخُ، وإني جلستُ عنده فرأيتُه في كلِّ وقتٍ قليلٍ يرفعُ عينيه إلَى السماءِ وتتحرَّك شفتاه، ولا أسْمعُ له صوتًا البتة. فقلتُ له: ”لِماذا تعمل هكذا يا أبي“؟ قال لي: ”إن لَم تفعل أنت هكذا، فما صرتَ بعدُ راهبًا ولا ليومٍ واحدٍ“ (معنى هذا أن هذه الممارسة كانت تُعتبر ألف باء الرهبنة). وهذا هو ما كان يقولُه: ”يا ربي يسوع المسيح أعني، يا ربي يسوع المسيح ارحَمني، أنا أسبِّحُك يا ربي يسوع المسيح“.] (بستان الرهبان قول رقم 72).
وهو نفس الدعاء الثلاثي الذي أوصى به أنبا أنطونيوس. وفي القول التالي الموجود في بستان الرهبان ضمن أقوال أنبا مقار (هذا القول وارد في بستان الرهبان ضمن مجموعة أقوال (من قول 58 إلى 73) عن تلاوة اسم يسوع، وبعضها منسوب صراحةً لأنبا مقار والبعض الآخر ”لشيخ“ ولكن المجموعة كلها موضوعة ضمن أقوال أنبا مقار، وهذا يوحي بأن هذا الشيخ هو أنبا مقار. )، نجد الدعاءَين الأول والثاني يندمجان معًا لطلب الرحمة ويليهما دعاءٌ للتسبيح الخالص:
[سأل أحدُهم شيخًا (غالبًا أنبا مقار) قائلًا: ”يا أبي عرِّفني كيفيةَ الجلوسِ في القلايةِ“.
فقال له الشيخُ: ”هذا هو ما يُعمَلُ في القلايةِ: كُلْ مرةً واحدةً كلَّ يومٍ مع عملِ اليدين وكمالِ الصلوات الفرضية (أي الصوم، والعمل اليدوي والأجبية).
وأفضل الجميع أن تكونَ مداومًا ذكر اسم ربنا يسوع المسيح بغير فتور. وفي كلِّ لَحظةٍ ارفع عينيك إلَى فوق وقلْ: يا ربي يسوع تحنَّن عليَّ، أنا أسبحُك يا ربي يسوع المسيح“]
(بستان الرهبان قول 67).
يلاحظ أن صيغة الدعاء باسم الرب يسوع التي تبدأ بطلب الرحمة وتنتهي بالتسبيح الخالص هي تقليد عريق يشهد له كل من أنبا أنطونيوس وأنبا مقار وأنبا إيسيذوروس. وهذا الأخير يعتبره من أساسيات الحياة الرهبانية التي من لا يعرفها ”لم يصر راهبًا ولا ليوم واحد“.