إن الصلاة هي أداة اقتراب الإنسان من الله فهي تُمثل العلاقة الشخصية بين الإنسان والله.
* وهي علاقة العروس بعريسها السماوي.
ففيها..
تقترب النفس البشرية إلى عريسها المحبوب شهوة قلبها.
يقترب الشيء إلى كل شيء.
يقترب الكيان المحدود إلى اللا محدود.
تقترب الطبيعة الساقطة إلى الله الذي بلا خطية ليغسلها ويُطهرها، ويُعيد لها صورتها الأولى الجميلة التي ُخلقت عليها بالصلاة نستطيع أن نفتح السماء لأن الصلاة هي مفتاح السماء كما أن التوبة هي باب السماء ففي الصلاة تُشفى النفس المريضة المنكسرة وبالصلاة تفرح النفس الحزينة فالصلاة هي باب ثمين مَنْ يُفرط أو يتهاون فيه فهو يُفرط في أغلى شيء عنده.
لقد تغنى آباءنا القديسين بعِظَم الصلاة وقوتها وفاعليتهالأنها كانت حياتهم ومصدر شبعهم وغذائهم الروحي الذي لا ينتهي، وعين الماء التي يستقوا منها ولا تنضُب.
"الصلاة هي سلاح عظيم، كنز لا يفرغ، غنى لا يسقط أبدًا، ميناء هادئ هي مصدر وأساس لبركات لا تُحصى هي قوية بل أشد من القوة ذاتها" (القديس يوحنا ذهبي الفم).
"الصلاة هي مفتاح السماء بقوتها تستطيع كل شيء هي حِمى نفوسنا مصدر لكل الفضائل هي السلّم الذي نصعد به إلى الله هي عمل الملائكة هي أساس الإيمان" (القديس أغسطينوس).
لذلك أصبحت الصلاة احتياج أساسي للإنسان مثل الأكل والشرب فكما يهتم الإنسان بغذائه الجسدي لضمان استمرار الحياة بصحة جيدة هكذا لابد من استمرارية الصلاة من أجل ضمان صحة الروح أيضًا.فما أكثر حاجة الإنسان للصلاة من أجل احتياجاته الروحية والجسدية معًا فبدون الصلاة لا تستقيم الحياة الروحية فهي المطلب الأول لبداية طريق الروح والجهاد الروحي لأنها تعلّمنا كل شيء.
الصلاة فيها شفاء من كل الزلات والخطايا.
الصلاة هي رباط متين يربطنا بالله، ويشدنا بالسماء بقوة، ويقينا شر السقوط والانحراف فهي تخلّصنا من كل الضيقات والمتاعب حتى إذا اعترانا فتور في الصلاة نفسها، وبدأ إحساس الملل والضجر وعدم الرغبة وعدم الشعور بالتلذذ بها فليس علاج من هذا إلاَّ الالتجاء للصلاة فبالتمسك بالصلاة نستطيع أن نخرج من حفرة الملل والضجر والفتور يستطيع الإنسان أن يقول: "مهما حصل لي لازم أصلي" فالاستمرارية حتى مع عدم الشعور بقيمتها هو الضامن الوحيد للرجوع إلى حياة الصلاة بعمق وتركيز وتأمل واستمتاع.
إن الصلاة بالنسبة لحياتنا الروحية هي مثل اليد بالنسبة للجسد فاليد عضو عام للجسد كله، ومع ذلك فهي آلة خاصة لذاتها تخدم بها نفسها فإذا كانت يد مريضة تداويها اليد الأخرى، وإذا كانت متسخة فتغسلها وتنظفها، وإذا كانت باردة فتدفئها ولذلك فاليد تعمل كل شيء هكذا الصلاة هي العنصر الأساسي لحياتنا الروحية، وبالاهتمام بحياتي الروحية أكون مهتم بالروح والجسد(والعكس ليس صحيح) إن الصلاة بالنسبة للإنسان هي مثل النَفَس الذي يدخل الرئتين بالنسبة للجسد فبدون استنشاق الهواء لا يستطيع الإنسان أن يعيش، لأن الرئتين كيف تعمل وما هو عملها بدون هواء؟! فبقلة الهواء يحدث اختناق ويموت الإنسان (الجسد)هكذا الصلاة عندما تقل تضعف الروح وتذبل بل قد يؤدي ذلك إلى موت الإنسان (روحيًا).ونستطيع أن نلمس حاجتنا للصلاة بالنظر إلى النقاط الآتية:-
أولًا: لأنها سر النصرة:-
لاشك أن الصلاة هي سر النصرة في حياتنا الروحية والجسدية يقول القديس يوحنا ذهبي الفم "إذا لاحظت أن إنسانًا لا يحب الصلاة فاعرف في الحال أنه ليس فيه شيء صالح بالمرة فالذي لا يُصلي لله هو ميت وليست فيه حياة"ولقد ذُكر عن القديس تادرس المصري القصة التالية"في حين وجوده في القلاية في الإسقيط أتاه شيطان محاولًا الدخول، فربطه خارج القلاية بصلاته وأتاه شيطان ثاني وحاول دخول قلايته، فربطه القديس أيضًا خارجها ثم جاء شيطان ثالث فلما وجد زميليه مربوطين قال لهما "ما بالكما واقفين هكذا خارج القلاية؟" فأجاباه "بداخل القلاية مَنْ هو واقف يمنعنا من الدخول" فغضب هذا الأخير وحاول اقتحام القلاية، لكن القديس ربطة كذلك بصلاته فضجت الشياطين من صلاة القديس، وطلبوا أن يطلق سراحهم حينئذ قال لهم "أمضوا واخزوا"، فمضوا بخزي عظيم"هذه هي قوة الصلاة هي سور يحمينا من هجمات العدو الشرير.
ثانيًا: لأنها وسيلة البركات:-
بالصلاة يكمل عمل التوبة فعندما يريد شخص ما أن يقدم توبة عملية فلا بد أن يقدمها في الصلاة.
بمداومة الإنسان على الصلاة ينمو بداخله إحساس الحياة والحشمة من الله "الذي يتهاون في عفة جسده يخجل في صلاته" (القديس الأنبا موسى الأسود) وقت الصلاة هو الوقت الذي نلتقي فيه مع الله، ونحظى بحضوره معنا، و"لأنَّهُ حَيثُما اجتَمَعَ اثنانِ أو ثَلاثَةٌ باسمي فهناكَ أكونُ في وسطِهِمْ" (مت18: 20) بالصلاة نسعى ونسير نحو نقاوة القلب.. لأنها توضِّح للإنسان عيوبه وخطاياه "بالصلاة نصل إلى الحب الإلهي الذي هو أسمى الفضائل والدرجات" (مار إسحق) وبالصلاة نتأهل لأن نشعر بمراحم الله ونتمتع بإحساناته.. "الصوم والصلاة هما اللذان عملا بهما الأنبياء والرسل والشهداء ولبّاس الصليب" (قسمة الصوم الكبير) فما أعمق وأغزر حياة الصلاة فهي تؤهلنا لمعرفة لغة السماءوطننا الأصلي الذي نسعى جميعًا للوصول إليه.
أخي الخادم اسأل نفسك..
هل أستطيع أن أخدم بدون صلاة؟
ما هو عمق صلاتي.. هل هي بنفس مقدار الخدمة؟
هل اهتمامي بمخدعي وصلاتي الشخصية مثل اهتمامي بالخدمة المُؤتمن عليها؟
هل أحاسب نفسي على تقصيري في الصلاة مثلما أحاسب نفسي على تقصيري في الخدمة؟
هل صلاتي في حياتي رقم واحد وبعدها الخدمة.. أم العكس؟
هل مخدومينا يروا فينا (الخادم والخادمة) - (المُصلي والمُصلية) بالفعل وليس بالمظهر؟
هل اهتم بحضور القداس قبل الخدمة ليبارك الرب خدمتي أم أنشغل في هذا الوقت بتجهيز الخدمة وتحضيرها، وأترك الذبيحة على المذبح دون التمتع بها؟
نحن نحتاج إلى خادم مُصلى وليس خادم متكلم وواعظ شهير فالصلاة هي التي تعطي النجاح للخدمة وتثمر في قلوب المخدومين فهلموا بنا نطلب من السيد المسيح في صلاتنا الشخصية أن ينجح كل ما تمتد إليه أيدينا ربنا يبارك حياتكم وخدمتكم ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.
الراهب القمص بطرس البراموسي