صلاة القديس غريغوريوس بالاماس لوالدة الإله
يا والدَة الإله، السيّدَة الفائقَة القداسة، يا من ولدتِ اللهَ الكلمَة بالجسد، أعرفُ جيِّداً أنَّي لستُ مستحقًّاً ولا يليقُ بي أنا الكثيرَ الشقاوة، أْن أنظرَ إلى إيقونتِكِ يا من أنتَ نقيَّةٌ ودائمةُ البتوليَّةِ وجسدُك ونفسُك نقيَّان ولا يشوبُهما عيب، ولا أْن أحدِّقَ بكِ بعينيَّ الخاطئتين، أو أْن أُقبَِّلك بشفتيَّ الرجستَين غِيرالطاهرتَين ولا حتَّى أْن أترجَّاك. لأنَّه واجبٌ وحقٌّ أْن تمقتيني وترذُليني أنا الضاّل. ولكنَّ اللهَ الكلمَة الذي ولدتِهِ صارَ إنساناً لكي يدعوَ الخاطئينَ إلى التوبة، فأتشجَّعُ أنا أيضًا لأقفَ أمامَكِ وأترجَّاكِ والدموعُ في عينيَّ.
فيا سيِّدتي الفائقَة القداسة، اصنعي رحمة ًمع حقارتي، وأشفقي على مرضي، يا من تؤثِّرين كثيراً على ذاك الذي ولدته. لا أحدَ غيرَكِ يستطيعُ أن يفعَل ما تستطعين فعَله، كونَكِ أمَّ الله. تستطعينَ كلَّ شيء، لأنَّك تَسْمينَ على كلِّ مخلوقاتِ الله، وليس من شيءٍ يصعبُ عليك ِ. يكفي فقط أن تُريدي، فلا تشيحي إذاً نظرَكِ عن دموعي وتزدري بتنهداتي. لاتصرفي نظرَكِ عن وجِع قلبي، ولا تخيِّبي رجائي الذي وضعتُه عليكِ. ولكن بطلباتِك الوالديَّة، التي تضطرُّ صلاحَ ابنِكِ وإلهِكِ الذي لا أحدَ يُجبرُه، أهِّليني أنا عبدَكِ الشقيَّ وغيرَ المستحقِّ، أْن أستعيدَ البهاءَ الأوَّلَ الذي وهبني إيَّاها لله، وأخلعَ عنِّي شناعَة الأهواء، حتَّى أتحرَّرَ من الخطيئةِ وأخضعَ للبرّ، وأنتزعَ نجاسَة شهواتي الجسديَّةِ وألبسَ قداسَة النفِس ونقاوتَها، فأموتُ عن العاِلم لكي أحيا في الفضيلة.
نعم، أيَّتها السيِّدةُ الفائقةُ القداسةِ الكلِّيَّةُ الصلاح، استمعي تضرُّعي المتواضعَ ولا تسمحي أن يخيبَ رجائي، يا من أنتِ، بعدَ الله، رجاءُ البشِر في كلِّ أقطاِر الأرض. أطفئي نارَ أهوائي الجسديَّة، هدِّئي العواصفَ العاتيَة التي تعصفُ في نفسي، حلِّي مرارَة غضبي، وانزعي من ذهني الكبرياءَ وتباهي المجدِ الفارغ، وامحي من قلبي التخيُّلاتِ الليليَّةَ التي تضعُها الأرواحُ الشرِّيرةُ، والهجماتِ الحاصلَة في النهاِر من جرَّاء الأفكاِر الدنسة، لقِّني لساني أْن يلهجَ بكلِّ أمرٍ يساعدُ في نموِّ حياتي الروحيَّة، وعلِّمي عينيَّ أن تنظرا باستقامةٍ طريقَ الفضيلةِ القويمةِ، واجعلي قدميَّ تركضانِ من دونِ عوائقَ على طريِق الوصايا الإلهيَّةِ المغبوطةِ وقدِّسي يديَّ لأستحقَّ أْن أرفعَهما كي أتضرَّعَ إلى المسيح، وطهِّري فمي، حتَّى يملكَ الشجاعَة فيُصلِّي إلى الآب، اللهِ الرهيِب والكلِّيِّ القداسة. افتحي أذنيَّ لأسمعَ، بكلِّ أحاسيسي وذهني، أقواَل الكتِب المقدَّسة الأحلى من العسِل بشهدِه، وأْن أعيشَ بحسِب تعاليمِها متقوِّيًا من نعمتِك....
أعطيني، ياسيِّدتي الفائقَة القداسةِ زمانًا للتوبة، وفكرَ رجوعٍ إلى بيتِ أبي. احرسيني وحرِّريني من الموتِ المفاجئ، وخلِّصيني من حكِم ضميري. وأخيرًا، أرجوكِ أن تكوني معينَتي حينَ انفصاِل النفِس من جسدي الشقيّ، مخفِّفًة ذاكَ الغضبَ الشديدَ الذي لايُحتمل، وملطِّفًة الأَلم الذي لا يُعبَّرُ عنه، ومعزِّيًة قنوطي الذي لا يوصف، ومخلِّصًة إيَّايَ من رؤيةِ منظِر الشياطِين المظلمينَ المخيفة، ومنقذًة إيَّايَ من الفخِّ الذي نصبَهُ لي جنودُ الهواءِ وسلاطينُ الظلام، ومزِّقي مخطوطاتِ خطايايَ الكثيرة، وصالحيني مع الله، واجعليني مستحقًّا، عندما تأتي ساعةُ الحساِب الرهيب، أْن أقفَ عن ميامِنه وأرَث الصالحاتِ الطاهرَة والأبديَّة.