العذراء أعلى من الملائكة
+ القديس بولس الرسول يعرَّفنا بدرجة الملائكة أنها درجة خادمة: "الملائكة جميعهم أرواح خادمة مرسَلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب1: 14)، ومن حيث طبيعتهم يقول أيضاً: "الصانع ملائكتة رياحاً وخدامه لهيب نار."
(عب1: 7)
+ لقد كشف لنا الله في اختياره للعذراء لقبولها الحمل "بكلمة الله" وميلادها للكلمة آبن الله متجسداً من لحمها ودمها، عن سمو الطبيعة البشرية حينما تعود إليها طهارتها فتأخذ إمكانية شركتها بالطبيعة الإلهية. بهذا يتأكد لنا أن طهارة العذراء استطاعت أن تتجاوز عجز البشرية الذي انحدرت إليه بالخطيئة لتبلغ بطبيعة البشرية قامة أعلى من قامة الملائكة حتى أنها تأهلت لقبول سكنى كلمة الله في أحشائها.
+ فإن كانت الطبيعة البشرية قد تدانت إلى ما دون الطبيعة الملائكية بسبب الخطيئة والعصيان وقبول لعنة الموت، إلا أن العذراء بطهارتها واتضاعها وخضوعها الفائق لمشيئة الله قبلت وعداً من الله بميلاد آبن العلي، وبقبول هذا الوعد ارتفعت الطبيعة البشرية في العذراء إلى حالة من المجد تأهلت أن يتخذ منها آبن الله جسداً له. وهكذا تجاوزت العذراء في طبيعتها عجز البشرية بتدخل الروح القدس وقوة العلي، حتى بلغت ما هو أعلى من الملائكة! لأنه بينما كانت العذراء تحمل في بطنها آبن الله القدوس، وبينما كانت تتفرس في ضياء وجهه كل يوم، كان كل ملائكة الله ولا يزالون يخفون وجوههم من بهاء عظمته.
+ لذلك ليس بدون سبب يتجرأ التقليد الكنسي ويرفع كرامة العذراء فوق الملائكة وكل الرئاسات الملائكية حتى الشاروبيم.
+ فالملائكة بالرغم من كونهم أرواحاً نارية، إلا أنهم لم يبلغوا من اللياقة ما يؤهلهم لقبول طبيعة الله النارية، أما هذه الفتاة المباركة فقد احتوت في لحمها ودمها الأضعفين طبيعة الله النارية التي ترتعب منها الملائكة وذلك دون ما حرج بسبب ما حازته من طهارة واتضاع عظيمين.
الأب متى المسكين
عن كتاب: [العذراء في اللاهوت الكنسي]