يروي القديس باييسيوس الآثوسي ما حدث معه مرة:
كنت منطلقاً في وقت متأخر من دير الستافرونيكيتا إلى قلاية الأب تيخن التي كنت أجهزها للسكن فيها.
على الطريق أوقفني رجل وراح يتحدث عن مشاكله الكثيرة. وقفت منتصباً أحمل على كتفي كيساً يحوي بعض الأغراض الضرورية ورحت أستمع لمشاكله.
بدأ المطر رذاذاً وحلَّ الظلام والرجل مسترسل في حديثه حتى بلّلنا المطر. في إحدى اللحظات حدّثت نفسي قائلاً:
كيف سأجد القلاية؟ فالظلام دامس والأرض موحلة ولا أملك مصباحاً.
ولكن كيف لي أن أوقف حديث الرجل؟
طال الحديث حتى انتصف الليل فسألته عن المكان الذي يبيت فيه، ثم انصرفت سالكاً الطريق الترابي الموحل. وفجأة زلقت رجلي ووقعت على نبات العليق. فقدت حذائي الذي تتدحرج إلى أسفل وعلق الكيس الذي أحمله بين أغصان العليق وانكمش قميصي الداخلي وضغط على عنقي ولم أعد أرى شيئاً. قلت لنفسي:
خير لي البقاء هنا والبدء بتلاوة صلاة النوم، فصلاة نصف الليل، فصلاة السحر وبعدها يطلع الفجر فأستطيع أن أرى قلايتي. وتمنيت للرجل المسكين أن يجد طريقه في ذلك الظلام الدامس. عندما وصلت إلى عبارة ارحمني يا الله كعظيم رحمتك .. ظهر فجأة نور عظيم أنار المنطقة بكاملها ..! وجدت حذائي فانتعلته وتابعت سيري حاملاً الكيس على كتفي في الطريق الترابي المضاء. وصلت إلى القلاية ووجدت مفتاح القفل الصغير الذي كان يصعب عليّ أن أجده في وضح النهار. دخلت إلى القلاية وأضأت قناديل الكنيسة وعندها اختفى ذلك النور.
عندما ينكر الإنسان ذاته تحل عليه نعمة الله!
إن اقتنى الإنسان روح التضحية يقتبل عوناً إلهياً ويحيطيه الله بتدبيره. وهناك علاقة وثيقة بين التضحية والصلاة من أجل الآخرين والمساعدة التي تنسكب من الله.