أيّام قليلة تفصلنا عن صوم الميلاد، و يبدأ معه العالَم بالتخبّط، و تبدأ معه زحمة السّير وعجقة الأسواق.
فالمسيحيّ و غير المسيحيّ يتحضّران لأكبر بازار اقتصاديّ للبيع والشّراء، وغيرهما من الأمور التي تدرّ الرّبح الكبير على المؤسّسات الكبيرة، و ربّما رتّبت ديوناً على أصحاب الدّخل المحدود.
كلّ ذلك ليمارسوا تقاليدَ وأموراً غريبة عن روح المسيح والمسيحية. "كثيرون مدعوّون وقليلون يُنتخَبون" (متّى 14:22).
مَن هم المدعوّون؟ كلّ إنسان من دون استثناء. ومَن هم المختارون؟ المختارون هم الذين يفتحون قلوبهم لينالوا نعمة الله.
هذا هو المجهود الوحيد الذي علينا القيام به، فإن استطعنا نصبح مختارين، وهذا رهنٌ بأن نفتح الأبواب لتسكن فينا نعمة الله.
عيد الميلاد يسمّونه في التقليد الشعبيّ المَحَلّي "عيد العائلة"، لأنّ العائلة تجتمع فيه حول مائدة واحدة يتناول أفرادها طعام العيد.
كما أنّه، في بعض البلدان، تكون مائدة عيد الميلاد مفتوحةً لكلّ فقير وعابر سبيل.
كذلك هي مائدة الرّبّ التي نحن مدعوّون إليها مفتوحةٌ لكلّ إنسان، والدّعوة علنيّة لنا نحن الفقراء بالنعمة، المتشرّدين في العالميّات. فغالبًا ما نقدّم أعذاراً متعدّدة أو نفلسف الأمور لنتهرّب من دعوة الرّبّ لنا إلى وليمته.
نتلهّى بالأمور المعيشيّة، التقاليد الشعبيّة، العائلة، الحياة الإجتماعيّة، الزينة الخارجيّة .....
قد يكون بعض هذه الأمور مهمًّا وبعض منها ضروريّاً.
لكنّ طريقة أدائنا وتصرّفنا بتلك الأمور يجب أن تتمّ بحكمة حتّى لا تقودنا بعيداً عن مائدة الرّبّ. فالإنسان المبارك هو الإنسان المُتَحَوِّل من إنسان عبد لشهواته إلى إنسان جديد حيّ بنعمة الله المُحَرِّرَة، وهو بدوره يُحَوِّل مسار كلّ ما هو عالميّ إلى شيء مبارك، وعمله هذا يمنحه مكافأة إلهيّة في الدّهر الحاضر والدّهر الآتي.
دعوة الكنيسة لنا، مع بدء هذه المواسم، أن لا ننسى أنّ ربّ المجد يسوع المسيح هو مركز العيد.
أمّا معنى العيد فهو أنّه قَبِل أن يتنازل آخذاً صورة عبد، ووُلد في مغارة حقيرة ليرينا طريق الخلاص، لكي نصبح نحن مستحقّين دعوتَه إلى مائدته في ملكوته.
وهكذا نشرب معه عصير الكرمة الجديد، حيث الاِحتفال الذي لا ينتهي والغبطة الأبديّة لجميع المجاهدين.