دائماً يميل الإنسان وراء ضعفه فيفحص ما يتعلق بالآخرين ولا يفتكر أن ينوح على نفسه.
أما إذا نظرنا إلى حقيقة أنفسنا، ورغم انجذابنا إلى الرب، نرى أننا لازلنا نعيش بطريقة عالمية:
الواحد يصوم، لكنه يغار.
والآخر يضبط نفسه عن الشهوة، لكنه واقع في التكبر.
أحدنا يواظب على الصلاة، لكنه غارق في النميمة.
وآخر يضبط نفسه عن التذمر، لكن الغضب يغلبه.
وآخر ترك القنية، لكنه لا يتخلى عن الخلافات.
كل واحد منا إذاً يمسكه الشرير بطرق مختلفة، ولا يوجد من يعي ضعفه وشره.
قد نتواضع ظاهرياً، لكن أنفسنا تسعى وراء الإكرام والمديح. فمن ذَا الذي لا يعجب حين يرى أشخاصاً لم يتلقَوا دروسهم الأولى حتى بدؤوا يرشدون الآخرين. لم يرَوا بعد المداخل حتى بدؤوا يتبحرون في الأعماق. لم يعبروا بعد العتبة حتى أخذوا يتطايرون في السحب. لم يسمعوا بعد صوت التأنيب حتى شرعوا يؤدبون الآخرين. لم يحنوا رؤوسهم بعد للطاعة حتى باتوا يأمرون.
يظهر أننا نرتاد الكنيسة ولكننا لم نترك بعد سلوكنا الدنيوي الخارجي. اسمياً اتخذنا لقب مسيحيين، وأما اهتمامنا فبقي من هذا العالم وفِي هذا العالم.
هل يا ترى الملائكة في السماء يعيشون هكذا؟
لأنه هناك فرق بين الاستعداد الداخلي وبين السلوك الخارجي.
وهناك فرق بين الإيمان والكفر.
وهناك فرق بين التواضع والتكبر.
وهناك فرق بين المحبة والعداوة.
وهناك فرق بين الصوم واللصوصية.
وهناك فرق بين فسق القلب وعفة اللباس.
وهناك فرق بين هيجان النفس وهدوء الوجه.
وهناك فرق بين العزة والوقاحة.
وهناك فرق بين الإرشاد والغش.
وهناك فرق أيضاً بين الملائكة والبشر إن كانوا أشراراً.
أية مكيدة خادعة لم يستخدمها الشيطان ضدنا؟!
ولكن ما هو السبب الذي جعلنا نكون هكذا؟! هو أن ليس لنا تواضع حقيقي. نزدري ونستخف بوصية المخلص، وكأننا لن نسمع ذاك الحكم الرهيب ولن نعطي جواباً على أعمالنا.
أرجوكم يا إخوة ألا نعيش هكذا حتى لا نصبح عثرة لغيرنا. فلا نزيدَنَّ خطايا على خطايانا، فيُجدَّف بسببنا على اسم المسيح.
ماذا كان على الله أن يفعله ولم يفعله؟!
ألم يتواضع آخذاً صورة عبد لكي نتواضع نحن؟
ألم يُهزأ به ويُبصَق عليه لكي لا نغضب عندما يحتقروننا؟
ألم نرى كيف جُلِد ولُطِم حتى لا نكون نحن أيضاً وحوشاً نفترس بعضُنا البعض؟
أمام هذه كلها وغيرها كثيراً، ماذا نقول وبماذا نجيب عن أنفسنا؟
أرجوكم إذاً أن نكون ساهرين طالما الوقت متوفر. ولنضبط أنفسنا طالما الفرصة سانحة. تواضعوا بقدر استطاعتكم. لا تلاحظوا قريبكم على الدوام، بل افحصوا ذواتكم. كونوا ساهرين في الصلاة ومقتدرين في التمجيد وغالبين في الروحيات ومغبوطين في الطاعة وشجعاناً في العمل ومسرورين في العطاء ومبادرين في الخدمة وأقوياء في الصوم وتواقين إلى الأعمال الصالحة. اسعوا وراء التواضع والمحبة واللطف والوداعة كي تقتنوها لأنفسكم... لا تدينوا كي لا تُدانوا.
________________________________________
مقتطفات مأخوذة بتصرف
من مقال "من أجل إصلاح الذين يعيشون في الأهواء ويسعون وراء الإكرام والمديح"
من كتاب "القديس أفرام السرياني - مقالات روحية وخشوعية"