نؤمن في الكنيسة الأرثوذكسية أنّ الصوم والتواضع والتوبة يؤهّلون الإنسان للاقتراب من الله بالتخلّي عن الملذّات. صحيح أنّ الصوم يؤثّر على الجسد إلا أنّ التركيز هو على الوجه الروحي أكثر منه على الوجه الجسداني. يرى اللاهوت الأرثوذكسي جمعاً بين الجسد والنفس، فكلّ تأثير على الأول يؤثّر على الآخر. لذا، ليس كافياً أن يُصام عن الطعام بل ينبغي أيضاً الامتناع عن الغضب والجشع والحسد، وبالمقابل أن تُفَعَّل أعمال البِر والخير والإحسان وتُضاعَف.
في صوم الميلاد، لا نشهد تغييراً ليتورجياً إلاّ في الأحَدَين الأخيرين، حيث نتذكّر كلّ الذين لعبوا دوراً في التهيئة لمجيء المسيح، من أجداد يسوع إلى الآباء والبطاركة والأنبياء. إلى هذا، نلاحظ أنّ أعياد أغلب أنبياء العهد القديم، الذين تنبئوا عن التجسّد، تقع في هذه الفترة، كعوبديا وناحوم وحبقوق وصفنيا وحجاي ودانيال والفتية الثلاثة الذين نؤمن أن حفظهم في أتون هو إشارة إلى حمل والدة الإله مريم للألوهة في بطنها دون أن تحترق. لا نرى تغيراً ليتورجياً فعليا إلا في الأيام الأخيرة الخمسة، أي الممتدة من تقدمة العيد في العشرين من كانون الأول إلى البارامون في الرابع والعشرين منه. في هذه الأيام تُرَتّل ترانيم العيد يومياً، وبعض الكنائس تغيّر لباسها، أي غطاء المائدة وستائر الهيكل، إلى الأبيض.
من جهة الأطعمة، نمتنع في صوم الميلاد عن الزفرَين، أي اللحوم والبياض، ما عدا السبوت والآحاد وأعياد القديسين الممتازة التي تقع في تلك الفترة (دخول السيدة، كاترينا، بربارة، سابا، نيقولاوس، إسبيريدون وأغناطيوس الأنطاكي) حيث يمكن أن نأكل سمكاً. هذا الترتيب يمتّد في بعض الكنائس إلى عيد القديس إسبيريدون في الثاني عشر من كانون الأول ويمتّد في غيرها إلى عيد القديس أغناطيوس وتقدمة الميلاد في العشرين من كانون الأول. بارامون العيد في الرابع والعشرين من كانون الأول هو يوم صوم كامل إلى ما بعد القداس الإلهي الذي يُقام في خدمة السهرانية إلا إذا وقع يوم سبت أو أحد.
على نفس القدر من الأهمية، لا بل ما هو أكثر أهميّة من الأطعمة والمواعيد، هو استعدادنا للعيد. في أغلب الأحيان نحن في عجلة، نريد أن نستعجل الأيام. لكن غالباً ما يكون استعدادنا مغموراً بالتزيين والشراء وبعض الحفلات أو التحضير لها. من هنا أنّ علينا أن ننظّم أنفسنا بالصبر وضبط النفس، بقراءة الكتاب المقدّس، خاصةً النبوءات التي تتكلّم عن مجيء المسيح. علينا أن نركّز على طريقة الحياة المسيحية التي تدعونا إلى التضحية وعمل الرحمة وتقديم ما أُعطينا من وقت ومواهب وإمكانيات لمَن يحتاجها. ما من طريقة لتقليد المسيح أفضل من أن نكون محبّين ومحسنين. علينا أن نعيد المسيح إلى عيد الميلاد، أن نجد معنى العيد في استيعابنا لأهمية تجسّد ابن الله واتّخاذه جسداً. ينبغي أن نتذكّر أن السبب الحقيقي لوجود العيد هو أن يسوع أتى إلى العالم وسكن بين الناس وحمل خطايا العالم لكي نجد حياة فيه. التهيئة ليست أشكال العيد وحسب، وليست الاحتفالات التي هي للعيد نفسه، إنّها زمان مهمّ قوامه التوبة بالدرجة الأولى.