أحاطَتِ الكنيسةُ بتقوًى كبيرة ذِكرَ الموتى وذلكَ منذُ العصورِ المسيحيةِ الأولى وقدَّمَتْ عنْ نيَّتهِم التقادِمَ «لأنَّ فكرةَ الصلاةِ لأجلِ الموتى كي يَخْلُصوا من خطاياهُم هي فكرةٌ مُقدَّسَةٌ تَـقَوّية» فذبيحةُ المسيحِ الإفخارستيّة تُسعِفُ إخوتَنا هؤلاء لكي يُطَهَّروا من كلِّ شائبة ليتنعّموا بمجد ﷲ .
أنشأ تذكار جميع الموتى المؤمنين الراقدين القديس أوديلون عام 998م، وقد رسم هذا التذكار وتذكار جميع القديسين البابا بونيفاسيوس،
وذلك لأن ...المؤمنين الراقدين بالرب، وعليهم بعد قصاصات عن الخطايا المغفورة بالحل السري، أو خطايا عرضية، لم يوفوا عنها في هذه الحياة، فهم ملتزمون ان يكفروا عنها في المطهر لفترة زمنية ولذلك تقيم الكنيسة الصلوات والقرابين لأجل راحة النفوس المطهرية، فكما أقامت الكنيسة المجاهدة تذكاراً لشقيقتها المنتصرة في السماء، تقيم تذكاراً آخر لشقيقتها المتألّمة في المطهر. وهو أشهى تذكار على قلبها .
إنّ تذكار الموتى هو لحظة حزن ممزوجة بالرجاء"الحزن أمام الموت، رجاء القيامة .
شخصية أيوب، في العهد القديم، الذي حتى في أثناء الظلام، على باب الموت وأمام لحظة القلق والألم والوجع، نادى بالرجاء. أنّ لتذكار الموتى بعدان: شعور الحزن من جهة على أقاربنا الذين غادرونا، ولأن الموت يذكرنا بالمستقبل. إنما نحن نحمل الورود كعلامة للرجاء وكنبوّة للعيد. وعندئذٍ يمتزج الحزن بالرجاء. إنه الرجاء الذي يمنحنا إياه المسيح الذي فتح لنا الباب من أجل الدخول إلى حيث نعاين الله .
نحن أيضًا سنتبع هذا المسار عاجلاً أم آجلاً، بالقليل من الألم أو الكثير، إنما حاملين زهرة الرجاء مع هذا الخيط المتين المتجذّر في الحياة الثانية، رجاء القيامة. لندخل إلى ديارنا حاملين هذه الذكرى المزدوجة في عقولنا: ذكرى الماضي لأحبائنا الذين غادرونا، وذكرى المستقبل؛ للمسيرة التي سنقوم بها، مع الحفاظ على الثقة والأمانة ووعد المسيح: سأقيمه في اليوم الأخير . لنقف أمام قبور أقربائنا بإيمان مصلّين على نيّة الموتى الذين لا يتذكّرهم أحد .
يسود لدى كلِّ كائن بشري مفهوم ثابت بأنَّ للحياة نهاية، ولكن نحو هذه النهاية هناك طريقان
الطريق الأوَّل يرى في الموت “النهاية”، الحدود الأخيرة التي تقود إلى العدم، الحاجز العظيم الذي تتحطَّم على أقدامه كلُّ الأحلام والرغبات والعواطف. وكأننا نعيش في أفقٍ بلا أفق، مشهد حياة مُرعب قوامه الفراغ والغياب الأبدي .
أما الطريق الثاني فينظر إلى الموت كواقع يقودنا إلى " هدف حياتنا" وليس إلى النهاية والعدم ، فمن لدن الله خرجنا وبين يديه نستودع حياتنا عند تمامها . إن هذا المفهوم الأيماني .
دفع يسوع المسيح ليصرخ من على صليب الألم:”يا أبتاه بين يدَيكَ أستودِعُ روحي"
ـ دفع المسيحيِّين الأوَّلين لتسمية يوم وفاة المؤمن بيوم ميلاده .
ـ ودفع القديس فرنسيس الأسيزي إلى دعوة الموت “أخي”، مُستقبلاً إياه بالعناق الذي يقوده إلى اللقاء، والاتحاد مع حبيبه يسوع منتظرِ الأجيال “الذي كان، وهو الآن ولا يزال إلى الأبد"
أيها الآ ب الرحيم، إستجب لصلواتنا وامنحنا العزاء فيما نجدّد إيماننا بابنك، القائم من بين الأموات، قوّي رجاءنا بأن جميع إخوتنا واخواتنا الذين غادروا هذا العالم سيشتركون في قيامته، هو الذي يحيا ويملك معك ومع الروح القدس، إلهاً واحداً إلى الأبد، آمين الراحة الأبدية أعطهم يا رب ، ونورك الدائم فليضئ لهم وليستريحوا بسلام. يا يسوع اغفر لنا خطايانا ونجنا من نار جهنّم وخذّ إلى السماء كلّ النفوس وخاصة تلك التّي هي بأكثر حاجة إلى مراحمك. آمين