ك
+ من كتاب ترياق الخلود في كنيسة المعبود – في شرح القداس الإلهى طقسياً وروحياً وعقيدياً – الباب الثالث ص 260.
+ ويوجد هنا رأيان في إلزامية تواجد صلاة المزامير قبل تقديم الحمل :
الرأي الأول :
لأن القداس الإلهى يحكى قصة مجىء الرب وتجسده وآلامه وموته وقيامته وصعوده كذكرى حية أمامنا لذلك تصلي المزامير قبل تقديم الحمل لأنها نبوات عن تجسد المسيح و مجيئه لخلاص العالم ، و يجب أن يتأكد الكاهن من وجود الحمل و قارورة الخمر مملوءة قبل البدء في صلاة المزامير .
الرأي الثانى :
إن صلوات السواعي ومنذ نشأة الكنيسة المسيحية، كانت طقساً ليتورجياً قائماً بذاته، ولا علاقة له بليتورجية القداس الإلهي.
أثباتات للرأي الثانى :
+ كل مخطوطات الخولاجيات القديمة والحديثة على حدٍ سواء، لا ذكر فيها لصلوات مزامير تُقال في ليتورجيا القداس الإلهي وكل المصادر الطقسية القديمة، لا تشير إلى ترديد للمزامير في داخل ليتورجيا القداس الإلهي ولم يشير إليها يوحنا بن سباع في القرن الثالث عشر، ولا البابا غبريال الخامس في القرن الخامس عشر:
- الخولاجي المطبوع سنة ۱۹۰۲م والذي راجعه القمص عبد المسيح صليب البراموسي،
- حين يتحدث عن مزامير السواعي في القداس الإلهي لا يذكر نفس الترتيب المعروف لنا اليوم عنها. بل إن موضعها الطقسي لم يكن حتى ذلك الوقت المتأخر - أي حتى أوائل القرن العشرين - قد استقر بعد. فحين يقول تنبيهاً للكاهن "... ويبتدئ بصلاة الاستعداد الذي للمذبح ..." يورد حاشية في الهامش تقول هذه الحاشية : "العادة الجارية الآن، أنه أولاً يُصلي الشعب صلاة مزامير الساعات، ويكون استعداد المذبح قبلها أو أثنائها ( كتاب الخولاجي المقدس، طبعة سنة ۱۹۰۲م، ص ۱۹۷؛ الطبعة الخامسة 2015م، ص 208 ). وبذلك يتضح أن الخولاجيات الكثيرة المخطوطة التي اعتمد عليها القمص عبد المسيح صليب البراموسي في مراجعة خولاجي سنة ۱۹۰۲م، لم تُشر إلى طقس صلوات المزامير في القداس الإلهى لذلك يذكر القمص المذكور بناء عن مشاهدة شخصية ما يجري في عموم الكنائس في أيامه، بعيداً عما تذكره المخطوطات، فيقول: إن "العادة الجارية الآن" هي أن بعض الكنائس كانت تُصلي المزامير قبل أن يبدأ الكاهن بفرش المذبح، وبعضها الآخر، كان يصلي المزامير في أثناء فرش الكاهن للمذبح، ولكنه لم يذكر أن ترديد المزامير كان يتم في ذلك الوقت، بعد انتهاء فرش المذبح كما تمارس اليوم.
- أن الخولاجي المطبوع سنة ۱۹۰۲م، لم يحدد السواعي التي يجب أن تُقال في كل قداس طبقاً للمناسبات المختلفة للسنة الطقسية. وهذه ليست بأمر هين، يتغاضي عنه هذا الخولاجي الدقيق، في حين أنه يذكر دقائق الأمور الطقسية على مدى القداس الإلهي مهما كانت بسيطة.
- ومن القراءة الدقيقة لخولاجي سنة ۱۹۰۲م، يتضح لنا أيضاً أنه ربما في ذلك الوقت - أي في أوائل القرن العشرين - لم يكن هذا الطقس يتعدى في بعض الكنائس سوى ترديد المزامير سراً، دون ترديد فصل الإنجيل والقطع جهراً كما نمارس اليوم، أو ربما كان ذلك يتم بشكل مختلف عما نعرفه الآن، إذ نقرأ في حاشية أخرى من نفس الخولاجي المطبوع سنة ۱۹۰۲م ما يلي: "العادة الجارية الآن، أن تقديم الحمل يكون في أواخر صلاة المزامير وإذا انتهت الصلاة المذكورة، يدور الكاهن بالحمل ..." وهنا يتضح أن تقديم الحمل كان يتم في "أواخر صلاة المزامير" وليس في آخرها تماماً، وهذا لا يمكن حدوثه إذا كانت صلوات المزامير تنتهي بقراءة فصل الإنجيل، ثم ترديد القِطع التي يرددها الكاهن من داخل الهيكل كما نعرف اليوم . كل هذا حدث لسبب واحد وحيد، هو أنه بإنزواء لحن "اللى القربان"، بدأت الكنائس تصيغ طقساً يتواءم مع النظام الجديد، وقد استغرقت هذه الصياغة وقتاً، حتى استقر الطقس كما هو عليه اليوم.
- أن صلوات المزامير بسواعيها كانت في البداية المبكرة طقساً ليتورجياً قائماً بذاته، يُصلي في كنائس المدن صباحاً ومساءً خارجاً عن طقس رفع البخور الصباحي والمسائي، قبل أن تتبنى الرهبنة القبطية هذا الطقس وتحافظ عليه حتى اليوم. ومع مرور السنين، تركزت صلوات السواعي في وقتين فقط هما في الصباح وفي المساء، فبعد انتهاء صلوات رفع بخور باكر، تجري صلوات الساعتين الثالثة والسادسة. وقبل بدء صلوات رفع بخور عشية، تجري صلوات السواعي التاسعة والغروب والنوم. ولما صار حضور الشعب اليومي لصلوات رفع البخور في الصباح والمساء في كنائس المدن حضوراً ضعيفاً، تقلصت صلوات السواعي هي الأخرى، حتى ابتعدت عن أن تكون خدمة صلاة شعبية في كنائس المدن، ولكنها ظلت طقساً هاماً وأساسياً في الأديرة على مدى أيام الأسبوع كله صباحاً ومساءً عدا صباح يوم الأحد، حيث تحل خدمة القداس الإلهي محل خدمة المزامير في هذا الصباح. وعلى مدى أيام الأسبوع، أُدمجت صلوات باكر والثالثة والسادسة، لتقال في اجتماع الرهبان الصباحي اليومي بعد انتهاء تسبحة نصف الليل والسحر، كما أدمجت صلوات التاسعة والغروب والنوم والستار في الاجتماع الرهباني المسائي اليومي. ومن المعروف أن طقس صلوات رفع البخور في الصباح والمساء كل يوم، لم يكن طقساً رهبانياً أي ديرياً، بل هو طقس كاتدرائي فقط، أي طقس يختص بكنائس المدن.
- مخطوط رقم (۲۰۳ عربي) بالمكتبة الأهلية بباريس، وهو كتاب مصباح الظلمة وإيضاح الخدمة، لابن کبر:
- الباب يقول فيه ۱۸:
" كان بعض أهل مصر، يجلسون وقت قراءة النبوات، فأشار البطريرك أنبا يؤانس ( هو البابا يؤانس الثامن (۱۳۰۰- ۱۳۲۰م) البطريرك الـ 80 من بطاركة الكنيسة القبطية) باستمرار الوقوف فيهم، بحكم أنهم في وسط الصلاة. ثم يصلى صلاة السواعي كالعادة، ويقدم القداس آخر الساعة التاسعة، ليكون فراغه آخر الساعة الحادية عشرة، والإفطار قرب غروب الشمس ..." ...... عبارة " ثم يصلي صلاة السواعي كالعادة "، توضح لنا أن العادة التي استقرت حتى القرون الوسطى في كنيسة مصر، هي أن صلوات السواعي كانت تُصلى بعد انتهاء صلوات رفع بخور باكر في كنائس المدن وهو ما ظل مراعياً في كنائس الأديرة حتى اليوم، باستثناء عدم رفع صلوات البخور كل يوم. أي أن ترديد مزامير السواعي ظل في باكر النهار بعيداً عن القداس الذي كان يقام في ساعة متأخرة من النهار، حيث يذكر ابن كبر في النص السابق ذكره، أن قداسات الصوم الكبير كانت تبدأ في غضون الساعة الثالثة بعد الظهر لتنتهي قبل الغروب.
- الباب 17 يقول :
"والذي تتداوله البيعة القبطية، أن لا يكون القداس إلا تلو صلاة. والأحسن أن تكون الصلاة التي تتقدمه برفع بخور، هذا إذا كان فصح وأما إذا كانت أيام الأربعين والأربعاء والجمعة والأصوام الأخرى، فيكون عقب صلاة الساعة التي تتقدمه أعني التاسعة بالأجبية و القطع. والرهبان يصلون قبله صلاتي الغروب والنوم" .فمما ذكره ابن كبر سابقاً، يتضح لنا أن صلوات مزامير السواعي لم تكن تُقال في قداس يوم الأحد، ولكنها بدأت تُردد قبل قداسات الأصوام فقط، ولكن خارجاً عنها.
- لا نجد أي ذکر لصلوات السواعي هذه عند البابا غبريال الخامس (1409 – 1427م) والذي تنيح بعد ابن کبر بحوالي قرن كامل من الزمان. ذلك لأن البابا غبريال الخامس لم يجد أي علاقة بين هذه الصلوات وبين ليتورجية القداس الإلهي التي شرح دقائقها الطقسية. ولذلك أيضاً، فإن كتاب الخولاجي المطبوع ۱۹۰۲م، لم يشر إلى ذلك الأمر، لأن الغالبية العظمى من التعليمات الطقسية التي تضمنها هذا الكتاب الأخير، منقولة بنصها من كتاب "الترتيب الطقسي" للبابا غبريال الخامس.
- خلو الثلاثة أعياد السيدية الكبری - الميلاد والغطاس والقيامة - من ترديد للمزامير قبل تقديم الحمل، فقد احتفظت بالطقس القديم الأصيل الذي كان سائداً في كافة القداسات على مدار السنة الطقسية كلها. ومعروف بين كافة علماء الليتورجيا في العالم شرقاً وغرباً - كقانون ليتورجي عام - أن المناسبات الكنسية الأكثر قِدَماً في أي كنيسة، هي التي تحتفظ بأقدم الممارسات الطقسية أو الليتورجية لهذه الكنيسة.
- لازالت قداسات بعض الكنائس الشرقية حتى اليوم، ومن بينها الكنيسة الإثيوبية، والكنيسة الآشورية، خالية من صلوات المزامير في ليتورجيا القداس الإلهي . (هنري دالميس الدومينكی (الأب)، الطقوس الشرقية، تعريب الشماس كامل وليم، المعهد الكاثوليكی، المعادي، ۱۹۷۸م، ص 159)
+ إذاً لم تنقطع صلوات السواعي من الكنيسة أبداً، لأنها طقس ليتورجي عزيز جداً لا يمكن الاستغناء عنه ولكن ما حدث هو تزحزح هذا الطقس عن موضعه الطقسي القديم، ليصبح داخل الليتورجيا نفسها. ويكمن أهمية ذلك لكي تتوقف التأويلات الكثيرة التي دخلت كُتبنا الطقسية لعدم استيعاب تاريخنا الطقسي، ومن بين هذه التأويلات ضرورة وجود الحمل أثناء ترديد صلوات المزامير، وإن تأخر حضوره، تُعاد صلوات المزامير مرة أخرى. وكأننا نصلي المزامير على الحمل نفسه، وليس من أجل تهيئة نفوسنا لدخول القداس الإلهي، أما عن الحمل نفسه، فهو معجون بالماء والدقيق والمزامير.