من الأعياد السيدية الصغرى: ..عيد التجلي..
تحتفل الكنيسة منذ زمن بعيد بتذكار تجلى ربنا يسوع المسيح (مت 17: 1-7، مر 9: 2-13، لو 9: 28-36).. وقصد الرب أن يتم ذلك مع بعض تلاميذه:
(1) لإقرارهم أن المسيح ابن الله الحي (مت 16: 16) ثم ليريهم أنه ليس إيليا أو يوحنا المعمدان أو واحدا من الأنبياء كما يقول الناس (مت 16: 14).
(2) ليريهم مجد لاهوته قبل قيامته لكي عندما يقوم بمجد لاهوته يتأكدون أنه ليس عن مكافأة بل أنه كان له ومعه الآب منذ الأزل (يو: 17: 5).
(3) ليريهم مجد لاهوته قبل آلامه، فعند صلبه لا يشكون في أن ذلك بإرادته.
(4) بالتجلي شاهدوا ناسوته ومجد لاهوته، فكان الجبل رمزا للكنيسة التي ختم يسوع المسيح إلهنا على عهديها.
شخصيات ظهرت مع الرب عند التجلي
(أ) من الأنبياء للعهد القديم:
(1) موسى النبي:
الذي كان حليمًا جدًا وهو الذي استلم لوحيّ الشريعة من الرب وقاد شعب بنى إسرائيل 40 سنة في البرية بعد أن أخرجهم من عبودية فرعون.
(2) إيليا النبي:
ويعرف بإيليا التشبيتى (التسبيتي) وهو معروف بدالته القوية مع الله إذ صلى فلم تمطر السماء ثلاث سنين وستة أشهر ثم صلى فأمطرت السماء (2 مل 17) كما أنه صعد إلى السماء حيا في مركبة نارية.
(ب) من تلاميذ العهد الجديد:
(1) بطرس:
هو أحد التلاميذ الاثني عشر وأشهرهم غيرة، كما أنه أكبرهم .. كتب رسالتين.
(2) يوحنا الحبيب:
هو ابن الرعد الذي خصه الرب بحبه عظيم أكثر من باقي الرسل الاثني عشر وهو الذي كان يتكئ على صدر يسوع.. كتب إنجيل يوحنا وثلاث رسائل والرؤيا.
(3) يعقوب:
هو أخو يوحنا الحبيب.. وهو الذي قال له السيد المسيح مع أخيه يوحنا (أتسطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها) (مت: 20: 22)، وكتب رسالة.
ولأهمية هذه الرسالة التي كتبها هؤلاء الثلاثة (بطرس ويوحنا ويعقوب) يقرأ منها الكاثوليكون.
الجبل.. هو طريق الإعلانات، طريق يأخذنا إليه الرب يسوع ويجتاز بنا دروبه فيصعد بنا لنصلى وسيبقى التجلي أبدا موضوع وحديث تعزية لأولاد الله.. وسنظل في عجز عن وصف مشاهد التجلي لأنه لا ينطق بها (2 كو 12: 4).. فالصلاة هي شركة في الطبيعة الإلهية وخروج الإنسان من شركة الجسد ورباطات الظلمة إلى تحرير القلب حرًا في سماء التسبيح والترنيم.
أهمية المعاني الروحية لعيد التجلي:
(1) في التجلي تمجد الابن والروح القدس تجلى الثلاثة أقانيم وهم واحد.
(2) ليذكرنا بمجد لاهوته الأبدي.
(3) ليعلمنا أهمية الصلاة، إذ بالصلاة تسموا فوق ونصعد حيث الرب.
(4) صعد بهم إلى الجبل أي بعيدا عن صخب العالم إلى حيث الهدوء والسكون والخلوة التامة فاستطاعوا أن ينظروه عيانًا دون أي غموض، والتمتع بما لم تراه عين ولم يسمع به إذن.. لهذا صعد الآباء الرهبان إلى البراري والقفار للتمتع التام بجمال الحياة مع السيد المسيح وإذ تركوا العالم وراءهم التقوا بالمسيح أمامهم.... لقد جلسوا مع مريم عند قدمي سيدهم واختاروا النصيب الصالح..... (لو 10: 42).
(5) الكنيسة أعدت لتكون مشابهة لما هو في السماء فجمال الكنيسة من داخل يشبه عظمة العرش، والأنوار الكثيرة تشبه ضياء مجد الله وقديسيه، وعطر البخور يشبه جمال رائحة الحياة الأبدية، والبخور الصاعد من مجامر الأربعة والعشرين قسيسا الألحان والتسابيح تشبه تهليل الملائكة وترنم السمائيين.
(6) التلاميذ يمثلون الكنيسة المجاهدة، موسى وإيليا يمثلون الكنيسة المنتصرة، وهذا يدلنا على اتصال كنيستنا بالسمائيين وشركتهما الواحدة.
(7) كان بطرس قبل التجلي بثمانية أيام يقول الرب حاشاك، وهنا يشاهد مجده.. ففي وسط الضعفات كثيرا ما يكشف لنا الرب عن غنى مجده.
(8) الجبل يشير إلى الإيمان (المتوكلون على الرب مثل جبل صهيون...) (مز 125: 1) الكتاب المقدس يذكر لنا عدة جبال ولكل جبل ذكرياته المقدسة التي تجعلنا نسبح في تأملات كثيرة نذكر منها:-
جبل الله في حوريب:
حيث موسى يلتقي بالرب في العليقة (خر 3: 1-12).
جبل سيناء:
حيث تكلم الرب مع موسى النبي وسلمه الوصايا (خر 19: 2).
جبل التجربة:
حيث الرب انتصر على الشيطان (مر 1: 13).
جبل التطويبات: (الوصايا الجديدة):
حيث علم رب المجد الجموع (مت 5: 1 - 12).
جبل إشباع الجموع:
الخمسة آلاف من خمسة أرغفة وسمكتين (يو 6: 1 - 14).
جبل التجلي:
حيث تجلى الرب يسوع أمام التلاميذ وظهر معه موسى وإيليا.
جبل الزيتون:
حيث علم تلاميذه (مت 24: 3) وهو أيضا جبل الدموع والصلاة (لو 22: 39-46).
جبل الجلجثة:
حيث الرب يسوع مصلوبا لأجلنا (يو 19: 17 - 18).... لقد قال بطرس الرسول (جيد يا رب أن نكون ها هنا)... فما أجمل أن نكون دائما في حضرة الرب.. وكأن لسان حالنا يقول (وجدت من تحبه نفسي فأمسكته ولم أرخه) (نش 3: 14) يا إلهي جيد أن تصعد أفكاري في تأمل نحوك إذ عند الصعود إلى مكان عال تلاحظ الشمس في بدء شروقها عما نكون أسفل، هكذا عندما نسمو بأفكارنا نلاحظ شمس البر الرب يسوع عما نكون في أسفل في الخطية...
سيدي.. جيد أن أتكلم معك في كل أموري، فأنت ألصَق من الأخ (يوجد مُحِب ألصق من الأخ) (أم 18: 24)، وربما الأخ لا ينصت إلى كل ما أقوله له، لكن أنت يا ربي تنصت إليَّ في كل وقت: (لأنه تعلق بي فأنجيه، أرفعه لأنه عرف اسمي، يدعوني فأستجيب له، معه أنا في الضيق أنقذه وأمجده وطول الأيام أشبعه وأريه خلاصي) (مز: 91: 14 - 16).. كلهم معزون متعبون أما أنت فالعزاء الدائم إلى الأبد..
ربي.. جيد أن أتكلم معك لأنك أنت الذي تعرف كل أموري الخفية والظاهرة تعرف ما يفيد حياتي وما يضرها.. أيها الطبيب الحقيقي الذي لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا يا مدبر كل جسد تعهدنا بخلاصك (عن أوشية المرض).
ربي.. جيد أن أتذوق دائمًا حلاوة عشرتك (ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب) (مز 34: 8) إذ حلقك حلاوة وكله مشتهيات (نش 5: 16).
ربي.. جيد أن التقى بك فوق الجبل المقدس فأقول: قد صِرت فوق شهواتي وأفكاري، فوق ذاتي وكبريائي (يا رب من ينزل في مسكنك من يسكن في جبل قدسك السالك بلا عيب والعامل الحق والمتكلم بالصدق في قلبه) (مز 15: 1، 2).
يا سيدي.. جيد أن تكون لي شركة التجلي معك فأرفع قلبي في صلاة دائمة قائلًا (يا ربى يسوع المسيح..) وفي تسبيح دائم قائلًا (كل نفس أتنسمه أسبح اسمك القدوس يا ربى يسوع المسيح مخلص الصالح (عن إبصالية السبت)..
(10) أخيرًا.. نظروا يسوع وحده بعد أن أفاقوا من دهشتهم وفتح أعينهم.. كان فرحهم عظيمًا إذ وجدوا الرب. فنحن لسنا في حاجة لشيء غير يسوع وحده.. (لأنه فيه وبه وله كل الأشياء).
له المجد إلى الأبد آمين..