ما أجمل أيام الصوم المقدس .. تشتاق النفوس الروحانية لهذه الأيام المقدسة .. فلها رائحة خاصة، ومذاقه مميزة .. ففيها يحلو للنفس أن تتوب في هدوء وسكون.
:- دعنا نصوم بنقاوة القلب وهذه تحتاج إلى:
X التوبة القلبية
& "ارجِعوا إلَيَّ بكُل قُلوبِكُمْ، وبالصَّوْمِ والبُكاءِ والنَّوْحِ. ومَزّقوا قُلوبَكُمْ لا ثيابَكُمْ". وارجِعوا إلَى الرَّب إلهِكُمْ لأنَّهُ رَؤوفٌ رحيمٌ، بَطيءُ الغَضَبِ وكثيرُ الرّأفَةِ ويَندَمُ علَى الشَّر" (يؤ 2: 12-13).
إن أصوام الكنيسة هي مواسم التوبة وتجديد العهود .. مواسم العودة إلى أحضان المسيح نرتمي فيه ونبكي .. نبكي على الزمان الرديء الذي مضى ..
& "لأنَّ زَمانَ الحياةِ الذي مَضَى يَكفينا لنَكونَ قد عَمِلنا إرادَةَ الأُمَمِ، سالِكينَ في الدَّعارَةِ والشَّهَواتِ، وإدمانِ الخمرِ، والبَطَرِ، والمُنادَماتِ، وعِبادَةِ الأوثانِ المُحَرَّمَةِ" (1بط4: 3).
& "إنَّها الآنَ ساعَةٌ لنَستَيقِظَ مِنَ النَّوْمِ، فإنَّ خَلاصَنا الآنَ أقرَبُ مِمّا كانَ حينَ آمَنّا. قد تناهَى اللَّيلُ وتقارَبَ النَّهارُ، فلنَخلَعْ أعمالَ الظُّلمَةِ ونَلبَسْ أسلِحَةَ النّورِ. لنَسلُكْ بلياقَةٍ كما في النَّهارِ" (رو13: 11-13).
آه لو تحرك قلب الكنيسة نحو التوبة بحس واحد ..
آه لو تحرك قلبي وسط الجماعة المُقدَّسة للعودة إلى المسيح ..
إن لمسة الرب يسوع المسيح ..
شافية النفس والجسد والروح ..
ومجددة للحواس وباعثة للحياة.
r r r
ربي يسوع ..
سامحني واعْف عني ..
أسندني لكي لا أخطئ إليك ثانية.
دعني أُقبِّل قدميك وأبللهما بدموعي وحبي.
دعني أرتمي في حضنك الإلهي كطفل في حضن أمه.
أبكي بفرح العودة .. أبكي برجاء النصرة.
أبكي بروح القيامة من سقطاتي الرديئة.
سأكون لك بنعمتك، ولن يستعبدني العالم ثانية،
ولن يسبيني الشيطان مرة أخرى، ولن يخدعني الجسد بأوهامه.
r r r
مُخلِّصي القدوس ..
لقد ذقت مرارة الخطية، واكتشفت وهمها الرديء.
كنت أظنها حرية مُفرحة، فوجدتها عبودية قاسية.
الآن أدرك بنعمتك أنك وحدك فيك الحرية والفرح والسعادة،
وبدونك حياتي مُرّة وكئيبة. الآن أدرك لماذا يفرح الصائم:
"مَتَى صُمتُمْ فلا تكونوا عابِسينَ" (مت6: 16).
إنني أفرح الآن بعودتي إليك بعد التيهان،
لأستقر في حضنك بعد الضياع. الآن تتوق نفسي إلى القداسة،
بعد أن دنسّت نفسي وجسدي بأفعالي الدنيئة.
الآن يتغير اتجاه حياتي ليكون المسيح هدفي ومحور اهتمامي،
لأنّ "ليَ الحياةَ هي المَسيحُ" (في1: 21)،
بعد أن كان العالم ولقمة العيش والجسد واللذات،
قد استولوا عليَّ، فأفقدوني هويتي ومعنى وجودي،
وسلبوا مني فرحتي، وتركوني ملقى بين حي وميت ..
أنتظر سامريًا صالحًا يضمد جراحاتي.
تعالَ إذًا يا ربي يسوع،
واحملني على منكبيك،
وأودعني كنيستك المُقدَّسة ..
لأُشفى من جراحات نفسي العميقة.
أُشفى بك وبلمساتك الحانية في كنيستك مستشفى التائبين.
r r r
? أيضًا في صوم الميلاد المجيد نحتاج أن نتدرب على:
X الهدوء والصمت
& "لأنَّهُ هكذا قالَ السَّيدُ الرَّبُّ قُدّوسُ إسرائيلَ: "بالرُّجوعِ والسُّكونِ تخلُصونَ. بالهُدوءِ والطُّمأنينَةِ تكونُ قوَّتُكُمْ (إش30: 15).
إن إيقاع الحياة الصاخب، وعنف متطلبات المعيشة، وكثرة الحركة والانشغال والهموم ... أفقدوا الإنسان معناه وإنسانيته، وحولوه إلى مجرد ترس في ماكينة ضخمة يتحرك بتحركها، ويقف بوقوفها إن وقفت.
إن الإنسان اليوم يعيش في تشتت مُرعب، يُبدد قوى الجسم والنفس والعقل .. فكم بالحري قوى الروح!! إننا أحوج ما نكون إلى فترات هدوء واعتكاف .. نعود فيها إلى أنفسنا، ونغوص في أعماقنا بدون تأثير المشتتات الخارجية. إنها رحلة إلى أعماق الإنسان .. لاكتشاف الهوية وضبط الاتجاهات.
دعونا نختزل من برنامجنا اليومي كل ما هو غير ضروري: الثرثرة والأحاديث الباطلة، والتليفزيون، والمكالمات التليفونية الطويلة دون داع، والزيارات غير الضرورية، والملاهي والمآدب.
ألاَّ ترى أنه سيتجمع لدينا وقت كاف للتمتع بالهدوء والاعتكاف .. في جلال الصمت وخشوع العبادة والتأمل والتعمق، واكتشاف سطحيتنا وزيف علاقاتنا مع الآخرين!! إن كلامنا الثرثار في طوفان الأحاديث الباطلة قد فقد قوته ومعناه.
والصوم بجلاله .. يُعيد إلى الكلمة قُدسيتها ووقارها وسُلطانها. "إنْ كانَ أحَدٌ لا يَعثُرُ في الكلامِ فذاكَ رَجُلٌ كامِلٌ، قادِرٌ أنْ يُلجِمَ كُلَّ الجَسَدِ أيضًا" (يع3: 2).
آه لو نستطيع أن نقتطع من برنامجنا اليومي الصاخب لحظات للهدوء والاعتكاف والتزام الصمت!! اسمع الصوت الذي كلّم القديس أرسانيوس قديمًا: "يا أرسانيوس إلزم الهدوء والبُعد عن الناس، وأصمت وأنت تخلُص .. لأن هذه هي عروق عدم الخطية". فإن كان القديس أرسانيوس قد لزم الصمت والبُعد عن الناس طول العمر .. فليس بكثير علينا أن نلزمها لحظات يوميًا خاصة في الصوم.
العالم اليوم يحتاج إلى شهادة حيَّة .. لا بالوعظ والكلام، بل بقديسين يحملون نورًا وفرحًا وعمقًا، ورزانة ووقارًا، ولهم سر الصمت وقوة الهدوء، كعلامة وبرهان على حضور الله فيهم.
كل عام وكل الكنيسة في ملء بركة المسيح ..
بالتوبة والصلاة والصوم الصادقين.
الأنبا رافائيل