صلاة شكر في نهاية عام واستقبال عام جديد
الهي المحبوب، سنة من حياتنا مرّت، وها هي سنة أخرى تطلّ علينا، نسمعُ صوتك في داخلنا يطلب منّا أن نقوم بخطوة جديدة على درب الحب، هذا الصوت الذي طالما تجاهلناه في حياتنا اليومية والعملية.
فها نحن بين يديك في نهاية هذا العام وفي استقبال عام جديد، فنشكرك من كل قلوبنا يا الهي، لأنك عالم بحبنا لك، عالم بضعفنا، دائما معنا، فلا تتركنا ولا تنسانا فأنت رجاء حياتنا.
أعطيتنا حنانك، أعطيتنا إبنك الوحيد، فجاء ومنحنا السلام والفرح الحقيقي، فعليك نتّكل ولا نخاف من أي شيء، فلو تزعزع العالم كلّه من حولنا، فإيماننا بكَ قوي، وفرحنا أقوى، لأنكَ فينا ومعنا.
فرحنا هو أنت... فنحن نحبك، يا الهي فما أعظمك وما أعظم حبك الطاهر، عرّفت بنفسك وفتحت لنا قلبك، فأنت القدير، جعلت نفسك صغيراً لكي نتعلّم أن نحبك أكثر ولنرحّب بك في قلوبنا.
نشكرك لأنك جعلتَ من أمك أمّاً لنا تحبّنا وتحمينا، وترعانا وفي ظل جناحيها نحتمي، فهي أعظم أم وشفيعة لنا، حواء الجديدة، المكرسة الأولى وأم المكرسات، وأم الكاهن الأزلي وأم الكهنة ومحاميتهم.
قال القديس لوقا في إنجيله الطاهر: "لمّا انقضت ثمانية أيام، حان للطفل أن يُختن، سُمّي يسوع، كما سمّاه الملاك قبل أن يُحبل به. صعد مريم ويوسف به إلى أورشليم ليقدّماه للرّب. وكان في أورشليم رجل تقيّ بار اسمه سمعان ينتظر الفرج لإسرائيل، والروح القدس نازلٌ عليه. وكان الروح القدس قد أوحى إليه أنّه لا يرى الموت قبل أن يعاين مسيح الرب. فأتى الهيكل بدافع من الروح القدس، ولما دخل بالطفل أبواه ليؤديا ما تفرضه الشريعة حمله على ذراعيه وبارك الله".
نعم، مريم ويوسف تلقّيا هدية الله للبشر المتجسّدة بابنه يسوع، لم يحتفظا بعطيّة الله لهما وحدهما بل بكلّ كرم ذهبا وقدّما الطفل إلى الله في الهيكل. وهكذا نحن، إن الله ينعم علينا كل يوم بهبات كثيرة.. فلنسال ولنحاسب أنفسنا في نهاية هذه السنة وبداية السنة الجديدة: هل نشكر الله على جميع النعم أم نبخل عليه حتى بعرفان الجميل؟ أو حتى بكلمة شكرا يا رب بكل تواضع؟
فيا أبانا القدوس الوديع والمتواضع القلب، يا من ولدت في مذود حقير ، نشكرك على السنة الماضية بكلّ ما فيها من أفراح وأحزان وصعوبات.. نعم يا رب فكلّ عطيّة صالحة هي منك، وكل تجربة تخطّيناها بحضورك هي نعمة لنا،
نشكرك يا رب على نعمة وجود من يسهرون على تربيتنا تربية روحية، مؤسساتنا وأديرتنا وكنائسنا، مدارسنا ونشكرك على عملنا وأصدقاءنا ومعلمينا ورؤسائنا الروحيين والزمنيين، الذين بواسطتهم نستطيع أن نكون أعضاء فعّالين وناجحين في المجتمع.
نشكرك يا رب لأنك كنت دوماً حاضراً معنا، في قلب الجهود التي كنّا نقوم بها في حياتنا اليومية، لكي ننجح في أعمالنا وحياتنا، فمستقبلنا بين يدك، ومستقبل البشرية رهن إشارتك.
نشكرك يا أبانا على أصدقائنا... فمنهم مَن ساعدنا أو أسدى لنا خدمة معينة وأدخَل الفرح إلى قلوبنا، والراحة والسلام والطمأنينة، منهم رهبان وراهبات وكهنة ومكرسين وعلمانيين، نشكرك يا رب من اجلهم جميعا.
أيضا يا رب نشكرك على كل التجارب والصعوبات التي سمحت أن نمر بها، لأنها هي الطريق الضيق نحوك، فمن خلالها عرفنا أن نحبك أكثر ونثق بك أكثر، ونلتجئ إليك.
نشكرك يا رب لأنك هنا، لأنك تصغي إلينا، لأنك تعيرنا انتباهك، لأنك تتقبّل من أيدينا الباقة التي تؤلّفها عطايانا، فترفعها إلى أبيك السماوي. فشكراً لك يا رب...
جئتنا كطفل ونميت بالحكمة والنعمة والقامة أمام الله والناس... نعم كنت هنا كطفل بل سرت على أرضنا... تحدثت إلى الناس وتحدث الناس إليك ... جلت تصنع خيراً وتشفي جميع المتسلط عليهم إبليس... كل شيء بك كان وبغيرك لم يكن شيء مما كان.
لكن، ما أغربنا نحن البشر يا الهي... نعم نحن!!! رغم كل ما صنعت لنا ولأجلنا... رغم فيض محبتك لنا إلا أننا لم نعرفك... لا بل لم نقبلك... أخرجناك خارج حساباتنا... أبعدناك عن طريقنا... أغمضنا أعيننا عن نورك... رفضنا أن تكون لنا حياة وأن تكون لنا أفضل. ولكن أسمعك الآن، فما زال صوتك يدوي في عالمنا... ما زال كلامك مُعلناً لنا... وما زالت دعوتك لنا... وما زلنا نسمعك تقول لنا، لا تخف فانا بانتظارك... قم وارجع إلى أبيك...
وما زال يوحنا المعمدان يصرخ: "نعم أنا يوحنا، أنا صوت صارخ في البرية... أعدوا طريق الرب... اجعلوا سبله مستقيمة. كل وادٍ يمتلئ وكل جبل وأكمه ينخفض، وتصير المعوجات مستقيمة والشعاب طرقاً سهلة ويُبصر كل بشر خلاص الله".
فهذا هو... هذا هو أنت يا الهي... أنت الطريق والحق والحياة... ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بك... أنت نور العالم... من يتبعك لا يمشي في الظلمة، بل تكون له نور الحياة... أنت الخبز الحي الذي نزل من السماء، إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد... أنت الراعي الصالح، يعرف خاصته وخاصته تعرفه... أنت القائل، سلاماً أترك لكم... سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا إني قد غلبت العالم...
وأخيراً، نسمعك وأنت تقول لنا هاأنذا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر... فإليك نلتجئ ، شاكرين لك على كل ما مضى، وطالبين منك بان تكون معنا وان تحمينا وان تحملنا بين ذراعيك في السنة الجديدة... فأنت الإله... هو هو بالأمس واليوم وإلى الأبد... آمين.
سنة خير وبركة وسلام من لدن الرب على كنيستنا الجامعة الواحدة المقدسة وعلى العالم اجمع.