درجات الكمال التِسع عند القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم
تَجَسَّدَ الرَّبَّ يسوع المسيح ليَقْتَبِل الإنسان الإلَهِيّات، ويُعِيدُ الصورة الإلهيّة في الإنسانِ التي أُظْلِمَت في الخطيئة.
الروح القدّس مَوجود في داخِلنا، ويكفي أنْ نُفَعِّلَه بِقُبُولِنا لِكَلِمة الله قَولًا وفعلًا وإيمانًا وعَيشًا لِنُصْبِح في المسيح خليقةً جديدة.
لقد دعانا الرَّبّ إلى كمالِ صورةِ المَحَبَّةِ والنَقاوَة.
يَشْرَحُ القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم كيفيّة بُلوغ كمال المَحَبَّة التي دعانا الرّبّ إليها بِدَرجاتٍ تسع، حتّى إذا بلغَ المَرْءُ الدرجة التاسعة يَنْتَقِلُ مِنَ العهدِ القديمِ إلى العهدِ الجديدِ، أي يَعْبُر مِنْ عُبودِيَّة الأهواءِ إلى كمالِ النِعَم.
- الدرجة الأولى: ألا يَبدأ الإنسان بِظُلْمِ أخيه.
- الدرجة الثانية: إذا أُصيبَ الإنسان بِظُلْمٍ فلا يَثْأَر لنفسهِ بِظُلْمٍ أشدّ، وإنّما يَكْتَفي بِمُقابَلَة العين بالعين والسن بالسن (المستوى الناموسي القديم).
- الدرجة الثالثة: ألا يُقابل الإنسان مَنْ يُسِيء إليه بِشَرٍّ يماثله، إنَّما يُقابله بروح هادئ.
- الدرجة الرابعة: يَتَخَلَّى الإنسان عن ذاتِهِ، فيكون مُستعدًا لاحتمال الألم الذي أصابهُ ظُلمًا وعِدْوانًا.
- الدرجة الخامسة: في هذه المرحلة ليس فقط يَحْتَمِل الألم، وإنَّما يكون مُسْتَعِدًا في الداخل أنْ يَقْبَل الآلام أكثر مِمّا يَوَدُّ الظالمُ أنْ يَفعل بِه، فإنْ اغْتَصَبَ ثوبه يَترك له الرداء، وإنْ سَخّره ميلًا يَسيرُ معه ميلَيْن.
- الدرجة السادسة: أنَّهُ يَحْتَمِل الظُلم الأكثر مِمّا يَوَدّه الظالم دون أنْ يحمل في داخِلِه كراهيّة نحو العالم.
- الدرجة السابعة: لا يَقِفْ الأمر عند عَدَمِ الكراهيّة وإنَّما يَمْتَدُّ إلى الحُبِّ... "أَحِبُّوا أعْداءكم".
- الدرجة الثامنة: يَتَحَوَّل الحُبّ للأعداءِ إلى عملٍ، وذلك بِصُنْعِ الخير "أحْسِنُوا إلى مُبْغِضيكُم"، فَنُقابِل الشرّ بِعَمَلٍ خَير.
- الدرجة التاسعة والأخيرة: يُصَلِّي المُؤْمِن مِنْ أَجْلِ المُسيئينَ إليه.
المَسيحيّ الحقيقيّ يُصَلِّي عن الجميع طالِبًا الصَفْح عن أعدائِهِ والمُسيئِين إليه. بهذا يكون مُتَشبِّهًا بالرّبِّ يسوع المسيح نفسه.
وإذا قال أحدهم أنَّ هذا ضَرْبٌ من الجنونِ ولا يَقوم به إلّا يسوع لأنّه إلهٌ كاملٌ، يأتي ما فعله القدّيس الشمّاس استفانوس أوّل الشُهداء لِيُعْطيه الجواب:
"فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ:
«أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي».
ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا رَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ». وَإِذْ قَالَ هذَا رَقَدَ. (أعمال الرسل ٥٩:٧-٦٠)
هذا سُمُوٌ لا يُبلغه إلّا مَنْ أَخْلَى ذاته واتَّضَعَ حتى مَوت الصليب، عِندها يَرْفَعُهُ الله ويُقَدِّسُه.