كانت سهرة الأبوغلمسيس منذ سنوات بعيدة مضت ، فى كنيسة من كنائس عدة سمحت الإرادة الإلهية أن أخدمها فترة ، كان الشمامسة يقرأون الرؤيا حينما طلب منىّ هذا الشاب الوسيم الممتلىء حيوية أن يقدم إعترافا ، أخذته من يده فى ركن من أركان الكنيسة حيث إنهمرت دموعة غزيزة تغسل آثار الماضى بكل ما فيه من سقطات مميته ، كان الشاب أمينا جدا فى إعترافاته للدرجة التى جعلتنى أحترمه جدا ، وأفرح به بالأكثر ، لم أكن أعرفه قبلا ، ولا أظن أنه كان يعرفنى أيضا ، ولكنه تعهد أن تكون بداية جديدة لحياة أفضل ..
قرأت له مصليا صلاة التحليل ، فقال لى : أبى ، أنت لم تسألنى من أنا ، وما أتى بى اليوم لأعترف لأول مرة فى حياتى ؟ ثم راح يحكى دون أن أسأله :
هل تعرف ( فلانة الخادمة ) ، أجبت بالإيجاب ، ومن لا يعرفها ؟ فهى خادمة نشيطة ، متضعة وتقدم كل محبة للكنيسة ، قال : هى شقيقتى ، ولكننى العكس ، العكس منها تماما ، فلا صلة لى بالكنائس ، ولا علاقة لى بالله ولا بخدمتة ، ولا أظن أن قدسكم تحتاج منى أن أعيد إعترافاتى على مسامعكم ، فخطيتى تُظهر حالى ومن أكون ، وكيف عشت حياتى . إلى أن جاء اليوم الذى بدل حياتى وقلبها
رأسا على عقب ، أو بالأحرى قل ( عدلها ) ولم يقلبها ، فقد كانت مقلوبة .
رأى الإثارة بادية فى عينيى المفتوحتين ، فأردف قائلا : مررت على منزلها ، كانت بالمطبخ تعد الغذاء لزوجها وأولادها ، صينية من البطاطس فى الفرن ، لاحظت أنها نباتية تخلو من اللحم ، فهل تؤكل الصينية بدون لحم ؟ فأجابتنى :
إنه أول يوم فى الصوم الكبير ، إنى أعذرك ، فأنت بعيد عن الكنيسة ولا تدرى شيئا عن شئونها . وما قالت هذا حتى سخرت منها ومن كنيستها ومن سذاجتها هى وزوجها ، كيف يقضون حياتهم بهذه الأفكار العتيقة البالية ؟ وماذا يستفيد الله من صومكم هذا بفرض وجود هذا الإله أصلا ؟ وكثير من كلمات التجديف والسخرية اللاذعة ... لم تلتفت هى إلىَّ ، ولم تعبأ بكلامى الذى إعتادته عنى مما أثار غيظى بالأكثر ، ففاجأتها بأن إنتزعت الصينية من بين يديها ، وقمت بفتح الثلاجة وأخذت منها قطعا من اللحم المجمد وضعته بين شرائح البطاطس وسط ذهولها من تصرفى ، ووضعت الصينية بالفرن المشتعل قائلا : هذه صنيتى ، وعليكى إعداد أخرى على طريقتك الصيامى لك ولزوجك وأولادك !!
إلى هنا يا أبانا والأمر عادى ، ولكن الآتى هو رد الله بعد أن صمتت شقيقتى وبعد أن إفتريت أنا ... أخرجت الصينية بعد أكثر من ساعة فى الفرن ، كانت تغلى و ( تبكبك ) كما يقولون ، فحملتها فرحا منتشيا برائحتها التى أسالت لعابى ، وما هممت أغرف منها حتى كانت المفاجأة ، دودة ضخمة حية تخرج من الصينية التى تغلى لأكثر من ساعة فى الفرن !!! ، نعم ، كانت حية وسط النار !
ألم يقل لنا أن نارها لا تطفأ ، ودودها لا يموت ؟ لقد رأيت الجحيم بعينى ،
هذه أجرة خطيتى ...
صام صاحب القصة من لحظتها ، وقضى أيام الصوم باكيا مصليا كل قداساته دون أن يجرؤ أن يتقدم إلى الأسرار المقدسة ، حتى كانت ليلة الأبوغلمسيس فقرر أن يدفن خطيته فى قبر المخلص ليقوم معه فجر قيامته ، ويبدأ من جديد
، ألم أقل لكم أننا لا نقرأ الإنجيل فقط ، ولكننا نعيشه ؟