بعد نياحة مثلث الرحمات نيافة أنبا مرقس مطران كرسي أبوتيج و طما و طهطا و شيخ مطارنة الكرازة المرقسية إندآك في العشرين من يوليو سنة ١٩٧٧ م. صدر القرار البابوي بتعيين نيافة أنبا ويصا أسقف كرسي البلينا نائباً باباوياً لإيبارشية أبوتيج و طما و طهطا. و بعد مباحاثات و مشاورات جاء القرار البابوي بتقسيم هذة الإيبارشية المتسعة التخوم إلى ثلاث إيبارشيات مستقلة. كل إيبارشية تُحدد حدودها و مساحتها حسب عدد الكنائس و حجم الخدمة فيها. و جاء التقسيم على النحو التالي :
١- إيبارشية أبو تيج و صدفا و الغنايم
٢- إيبارشية طما
٣- إيبارشية طهطا و جهينة
و بعدها بدأ قداسة البابا شنوده الثالث " نيح الله نفسه " في مقابلة وفود ممثلي الإيبارشيات الثلاث الجديدة لإختيار أب أسقف لكل إيبارشية
و تشكل الوفد الطماوي برياسة القمص مرقس القمص عبد السيد كاهن كنيسة الشهيدة دميانة بطما و وكيل المطرانية و شيخ كهنة الإيبارشية " نيح الله نفسه "
و عضوية كلاً من :
القس يعقوب القمص بطرس " كاهن كنيسة الشهيد مار جرجس بطما "
القس جرجس القمص مرقس " كاهن كنيسة الشهيد أبي فام و الشهيدة دميانة بطما "
القس يوحنا زكريا " كاهن كنيسة الشهيد أبي فام بطما "
القس ميخائيل القمص عبد المسيح " كاهن كنيسة السيدة العذراء بطما "
" نيح الله نفوسهم "
بالإضافة إلى عدد من أراخنة و ممثلي شعب الإيبارشية
و في الميعاد المحدد للقاء صاحب القداسة بمقره بالكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية. و بعد أن مثل الوفد الطماوي أمام الحضرة البابوية. وقف رئيس الوفد القمص مرقس ليقول لقداسة البابا : " يا سيدنا قداسة البابا إحنا في طما كل كاهن منا مطران على كنيسته. فعايزين المطران إللي هايجيلنا يبقى بطرك علينا ". ( بالطبع كان هذا الكلام على سبيل الكناية حتى يصف ابونا مرقس لقداسة البابا الوضع في طما )
و هنا علم قداسته أن الوضع صعب و الإختيار أصعب. فطلب من أعضاء الوفد أن يرنموا ترنيمة حتى يعود إليهم. و في الخارج تقابل مع صاحبا النيافة أنبا ويصا و أنبا كيرلس أسقف كرسي نجع حمادي. فعرض عليهم ما دار في لقائه مع وفد إيبارشية طما الجديدة، و طلب منهم أن يرشحوا له إسم أب راهب يكون بالجسد من بلدة قريبة من طما. حتى يتسني له التعامل معهم. و بعد تفكير رشحوا له إسم الراهب القس مينا الأنبا بيشوى. و هو من أبناء مدينة طهطا و له الكثير من الأقارب و المعارف في طما. فأبدي موافقته على الإسم و عاد إلى قاعة الإجتماع حتى يبلغ أعضاء الوفد بإسم الأب المرشح أسقفاً عليهم. و بدأ قداسته الحديث موجهاً حديثه إلى ابونا القمص مرقس مداعباً إياه قائلاً له:
" أنا يا ابونا مرقس جبتلك مينا موحد القطرين ". و أبلغ الوفد بترشيحه الراهب القس مينا الأنبا بيشوى أسقفاً على إيبارشيتهم. و بعد إنتهاء المشاورات كانت موافقتهم على الإختيار.
و بعدها أبلغ قداسة البابا نيافة أنبا صرابامون أسقف و رئيس دير القديس أنبا بيشوى العامر بوادي النطرون قراره إختيار إبنه الروحي الراهب القس مينا الأنبا بيشوى أسقفاً على كرسي إيبارشية طما
في هذا الوقت كان الراهب القس مينا الأنبا بيشوى محجوزاً بالمستشفى القبطي بالقاهرة لإجرائه جراحة بالأنف. فدخل عليه الأب الراهب المرافق له ليهنئه و يبلغه خبر إختياره أسقفاً على إيبارشية طما
الأب المرافق : مبروك يا ابونا مينا
ابونا مينا : مبروك على إيه ؟ !. هو إللي عامل عملية يقولوله ألف سلامة و حمدالله على سلامتك، و لا يقولوله مبروك
ابونا المرافق : مبروك على الأسقفية. قدسك تم إختيارك أسقف على إيبارشية طما ! ! !
و مرت الأيام ما بين الإختيار و الرسامة سريعاً. و قبل الميعاد المحدد للرسامة إنطلقت سيارة من دير القديس أنبا بيشوى إلى القاهرة تحمل في داخلها أربعة من رهبان الدير المختارين للأسقفية. كلاً منهم تُسيّطر عليه مشاعر و إنطباعات تختلف عن الآخر. فها هو الأب أنجيلوس " نيافة أنبا أندراوس أسقف كرسي أبو تيج " يجلس في هدوءٍ و صمتٍ يشاركه الأب مينا مشاعره و إنطباعاته، بينما ينغمر الأب حنانيا " نيافة أنبا أشعياء أسقف كرسي طهطا و جهينة " في البكاء فيعزيه الأب ابرام " نيافة أنبا بساده أسقف كرسي إخميم و ساقلته ". قائلاً له :
" مالك يا ابونا حنانيا إحنا نستقبل الروح القدس بفرح و تهليل و لا بدموع و بكاء "
و جاءت عشية الرسامة ليدخل موكب الأباء الأساقفة و بعد الإنتهاء من صلوات طقس رفع بخور العشية و إعلان أسماء الأباء المختارين للأسقفية و أسماء إيباراشياتهم و قراءة تعهد الأسقفية. بدأ قداسة البابا في تغيير شكل الأباء من الشكل الرهباني إلى الشكل الأسقفي و تغيير أسماءهم من الإسم الرهباني إلى الإسم الأسقفي
و عندما جاء دور الراهب القس مينا الأنبا بيشوى بدأ قداسته في المناداه عليه. قائلاً : " ندعوك يا تكلا أسقفاً على إيبارشية طما و كل تخومها..."
و مع فرحة الحضور الكبير من كهنة و شعب إيبارشية طما بأسقفهم الجديد الجليل إلا إنهم بعد الإنتهاء من طقس صلاة العشية تقدموا بطلب إلى قداسة البابا يلتمسوا فيه من أبوته الحانية أن يكون إسم أسقفهم الجديد على إسم شفيع إيبارشيتهم الشهيد أبي فام الجندي الأوسيمي. فوافق قداسته على طلبهم. و في صباح اليوم التالي و الموافق الخامس و العشرين من شهر مايو سنة 1980م و أثناء صلوات طقس الرسامة و عندما أتى دور الراهب القس مينا الأنبا بيشوى في الرسامة وضع الأباء المطارنة و الأساقفة يمينهم على أكتافه و وضع قداسة البابا يده الرسولية على رأسه و نادي عليه قائلاً : " ندعوك يا فام أسقفاً على إيبارشية طما و كل تخومها..." فغمرت مشاعر الفرحة و البهجة الحضور الطماوي من المسيحيين و المسلمين و هزت أصوات التصفيق و الزغاريد الكاتدرائية. و لم يمضِ العام و نصف العام علي رسامة و تجليس نيافته إلا و صدرت قرارات الرئيس الراحل أنور السادات. و المعروفة تاريخياً بقرارت سبتمبر 81 و التي علي أثرها تم إعتقال نيافته ظلماً بسجن المرج مع كوكبة من الأباء الأساقفة و الكهنة الأجلاء و عدد كبير من العلمانيين. و في السجن كان مرنم إسرائيل الحلو. فكان يقوم بتسليم الألحان و التسبحة لمن معه. و كان يعتبر أن فترة السجن من أقدس و أسعد فترات حياته و أحبها إلي نفسه. و بعد غروب شمس هذة الأزمة عن سماء الوطن بصفةٍ عامة و الكنيسة بصفةٍ خاصة و شروق شمس صباح جديد عاد نيافته إلي كرسيه كالفارس المنتصر في الحرب. مُكللاً بكل مجدٍ و كرامةٍ
و بعد ثماني و ثلاثون سنة قضاها في خدمة الكنيسة و إيبارشيته بأمانة و إخلاص. رعي فيها قطيع المسيح بالبر و الطهارة و العدل. و جعل من إيبارشية طما فردوساً عامراً بالكنائس. فباتت قُبلةً للسياحة الدينية. و بالتحديد كاتدرائية الشهيد أبي فام و دير البار القمص يسي ميخائيل. و بعد أن حمل صليب المرض بكل شكرٍ و حمدٍ رقد في الرب علي رجاء قيامة الأموات و حياة الدهر الآتي عن عمر يناهز الثالثة و السبعون أثناء رحلته العلاجية بعاصمة المملكة المتحدة البريطانية لندن. فسبب خبر إنتقاله ألماً عميقاً و حزناً شدياً في قلوب كل محبيه و عارفي فضله في بلاد إيبارشيته و سائر تخوم الكرازة المرقسية
أخيراً هنيئاً لك يا سيدي صاحب النيافة الحبر السامي و الأسقف المكرم بكل إكرام أنبا فام بما نلت من مجد سماوي. و اسعد بما حزت من سعادة لا نهاية لها. و سل ربك أن يمنح بقدر معزتك صبراً و تعزيةً لقوبنا.
وأن يعوضنا عنك بالخلف الصالح. ليكون خير خلف لخير سلف
أطلب من الرب عنا يا أبانا الصديق الطوباوي أنبا فام الأسقف ليغفر لنا خطايانا.