عظة الجمعة 25 أغسطس
أنتم ملح الأرض (مت5: 13)
بعد انتهاء التطوبيات قال السيد المسيح لتلاميذه: "أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح فبماذا يملّح؟! لا يصلح بعد لشيء إلا لأن يُطرح خارجًا ويُداس من الناس" (مت5: 13).
الملح هو الذي يعطى للطعام مذاقه..
كما أنه يستخدم في حفظ الأطعمة من الفساد. وبعض أنواع الأملاح تستخدم لتسميد الأراضي الزراعية.
حينما يقول السيد المسيح:
"أنتم ملح الأرض" يقصد أن المسيحي الحقيقي هو الذي يعطى لحياة البشر مذاقتها. فبالرغم من أن كميته تكون قليلة إلا أنه يملح طعامًا كثيرًا.
هكذا يستطيع تلميذ الرب بقدوته الصالحة أن يؤثر في حياة الكثيرين ويجتذبهم إلى الحياة مع الله.
كما أنه يمنع الفساد الروحي عن كثير من البشر، كقول الكتاب
"من رد خاطئًا عن ضلال طريقه، يخلص نفسًا من الموت ويستر كثرة من الخطايا" (يع5: 20).
ولعلنا نذكر قصة سدوم وعمورة حينما قال الله لإبراهيم أنه لو وُجد في المدينة عشرة من الأبرار، لما أهلك من أجل العشرة (انظر تك18: 32).
إن مجرد وجود إنسان قديس في وسط أناس كثيرين، يمنع بلايا ومصائب كثيرة، ويمنع غضب الله من أن يحل على المكان بسبب شرور بعض الموجودين فيه.
إن وُجد مثل هذا القديس يعطى أملًا أن ينصلح شأن ذلك المكان، وأن يعود الأشرار عن خطاياهم بالتوبة لسبب سيرة هذا القديس التي تهز مشاعرهم وتوبّخ خطاياهم.
ومن خصائص الملح الذي يوضع في الطعام، أنه يذوب ويتلاشى ويختفي، ولكنه يؤثر تأثيرًا قويًا في هذا الطعام.
هكذا أولاد الله في هذا العالم؛
يخفون ذواتهم ويبذلون أنفسهم من أجل مجد الله وخلاص الناس.
ولكن بالرغم من إخفائهم لذواتهم إلا أن تأثيرهم يكون قويًا..
وبالرغم من بذل أنفسهم إلا أنهم لا يضيعون، بل على العكس كما قال السيد المسيح
"من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلى يجدها" (مت10: 39).
إن الذات هي أكبر معطل لعمل الله
في حياة الإنسان تعطّل خلاص الإنسان وتعطّل عمل الله فيه. بينما يتمجد الله كثيرًا من خلال النفس المبذولة، كما تمجد من خلال ذبيحة ابنه الوحيد على الصليب الذي تألم من أجل خلاصنا، وبعدما قام من الأموات قال لتلاميذه: "كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده" (لو24: 26).
الإنسان المسيحي الحقيقي عليه مسئولية كبيرة تجاه خلاص الآخرين والمحافظة عليهم من الفساد الموجود في العالم. لهذا قال السيد المسيح لتلاميذه:
"أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح فبماذا يملح؟!" (مت5: 13).
فساد الملح🎋
المفروض أن يكون الملح هو الحافظ للطعام من الفساد.
المفروض أن يكون الخدام هم الحافظين للمخدومين من الفساد.
المفروض أن يكون الوعّاظ هم أنفسهم قدوة للآخرين في أفعالهم قبل أقوالهم.
المفروض في الكهنة أن يمارسوا حياة التوبة والقداسة، وأن يقودوا غيرهم في هذا الطريق.
المفروض في الإنسان المسيحي عمومًا أن يكون سبب بركة وخلاص وحفظ للعالم من الشرور والفساد.
فإذا فسد الملح فكيف يحفظ غيره من فساد الخطية؟
إن شجرة ردية لا تقدر أن تصنع أثمارًا طيبة كما قال السيد المسيح:
"هل يجتنون من الشوك عنبًا، أو من الحسك تينًا؟!" (مت7: 16).
قبل أن نسعى لخلاص الآخرين، علينا أن نعتني بخلاص أنفسنا،
وقبل أن ندعو الآخرين للتوبة، علينا أن نقود أنفسنا في حياة التوبة، كقول معلمنا بولس الرسول:
"أقمع جسدي وأستعبده حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" (1كو9: 27).
يُطرح خارجًا ويُداس من الناس
"إن فسد الملح فبماذا يُملّح؟ لا يصلُح بعد لشيء إلا لأن يُطرح خارجًا ويُداس من الناس" (مت5: 13).
إنه موقف خطير، وموقف مهين أن يفسد الملح الذي كان المفترض فيه أن يحفظ غيره من الفساد.
الذي يقول للناس لا تكذبوا، أيكذب؟!
والذي يقول للناس لا تسرقوا، أيسرق؟!
والذي يقول للناس عيشوا بالقداسة، أيدنّس هو المقدسات؟!
إن من يتبع السيد المسيح فكما سلك ذاك، ينبغي أن يسلك هو أيضًا وإلا صار موضع هزء وسخرية وازدراء من الآخرين. لأنه فيما هو يدّعى أنه يخدم المسيح، فإن الاسم الحسن يجدف عليه بسببه. علينا أن نلاحظ أنفسنا باستمرار لكي نكون ملحًا جيدًا في هذه الأرض.🌻
أذكروني في صلواتكم
إبنكم
القمص جرجس زكي
بنها🍒