تأتي الترجمة القبطية للكتاب المقدس في المرتبة الثالثة بعد الأصل العبري - اليوناني ؛ الترجمة السريانية والترجمة اللاتينية ؛
ولقد قام بها - كما يذكر التقليد القبطي - علماء مدرسة الاسكندرية اللاهوتية في عهد القديس بنتينوس (181- 190م ) وهو القديس الذي قام بتطوير اللغة القبطية بعد إضافة سبعة حروف من اللغة الديموطيقة هي (شاي؛فاي ؛خاي ؛هوري جنجا ؛ تشيما ؛تي ) إلي الأربعة وعشرين حرفا اليونانية .
وأقدم ترجمة موجودة بين أيدينا حاليا ترجع لحوالي عام 300 باللهجة الصعيدية . ولقد بلغت الترجمة القبطية من الدقة الي الحد الذي يكاد يضاهي النص الأصلي ؛ فلقد كان آباء مدرسة الإسكندرية متمكنون من كل من اللغتين اليونانية والقبطية ؛ولقد ذكر أحد علماء الكتاب المقدس يدعي بروفيسر مانسون ؛وكان يعمل أستاذا للعهد الجديد في أحدي الجامعات الإنجليزية ؛وكان يجيد اللغة القبطية إجادة تامة ؛ قد ذكر أن الترجمة القبطية ترجمة في غاية الأهمية ؛وأني أعتبر أن الذي لا يعرف اللغة القبطية ؛ ولا يقرأ الكتاب المقدس في ترجمته القبطية ؛قد أصابت معرفته بالكتاب المقدس نقص كبير .
ولقد نشر العالم الألماني "مارتن شنكة" مخطوطة لإنجيل القديس متي باللغة القبطة لهجة مصر الوسطي ترجع إلي القرن الرابع الميلادي .كماعثر العلماء في أخميم علي مخطوط باللغة القبطية اللهجة الأخميمية لإنجيل القديس يوحنا ؛نشره العالم "هربرت سامبسون "مع ترجمة إنجليزية ؛ويرجع الي حوالي عام 350 م . ويوجد أبضا مخطوط باللهجة الفيومية لإنجيل القديس يوحنا نشره العالم "اليونور هوسليمان " ؛ويرجع تاريخه للقرن الثالث للميلاد . كما عثر الدكتور جودت جبرة علي مخطوط كامل لسفر المزامير ؛معروض حاليا في المتحف القبطي بالقاهرة ؛ وهو مكتوب باللهجة البهنساوية . وأخيرا نشر العالم الشهير كرام Crum ورقة بردية تحتوي علي مزمور 46 بلهجة يعتقد أنها أخميمية؛ترجع الي منتصف القرن الثالث تقريبا .
ولعل ـأقدم شهادة لدينا لوجود الترجمة القبطية ؛هي ماورد في سيرة القديس العظيم الأنبا أنطونيوس (251- 356 م تقريبا ) عندما سمع فصل النجيل الذي يروي قصة الشاب الغني الذي مضي حزينا لأنه كان ذو أموال كثيرة (متي 19 :21 ) .
ونظرا لأن اللهجة الصعيدية تعتبر هي اللهجة الأدبية المعتمدة في اللغة القبطية ؛ توجد لدينا مخطوطات كثيرة باللغة القبطية اللهجة الصعيدية ترجع للقرن الرابع الميلادي ؛فالعهد القديم في ترجماته الصعيدية مأخوذ علي الأرجح عن الترجمة السبعينية للكتاب المقدس ؛ـومن أقدم مخطوطات العهد الجديد باللهجة الصعيدية هي ما يعرف ببردية "بودمر" . ولقد نشر العالم "جورج هورنر" طبعة العهد الجديد باللهجة الصعيدية خلال السنوات من (1911- 1924 م ؛وأعيد طبعها عام 1969 ) .
أما عن الترجمات التي باللهجة البحيرية ؛فغالبية هذه المخطوطات ترجع للقرن التاسع الميلادي ؛وأقدم المخطوطات الموجودة لدينا هي بردية بودمر 3 ؛وترجع للقرن الرابع الميلادي ؛وتحتوي علي فقرات من أنجيل يوحنا ؛وجزء من سفر التكوين ؛ ولقد نشر العالم جورج هورنر طبعة العهد الجديد باللهجة البحيرية في أربعة مجلدات خلال السنوات (1898- 1905 م؛ وأعيد طبعها عام 1969 م) . ومن المخطوطات البحيرية القديمة للأناجيل نذكر كتاب " تفسير الأناجيل المعروف ب" كاتينا كورزون the Curzon Catena " وهو خليط من نصوص الأناجيل وتفاسيرها ؛محفوظة في مكتبة برهام ؛ومؤرخة بتاريخ 889 م . وهناك أيضا مخطوطة هنتجتون ؛وهي محفوظة في مكتبة البودليان بأكسفورد ؛ ويرجع تاريخها لعام 1174 م .
أما الترجمات باللهجة الأخميمية ؛فهي ترجع الي الفترة ما بين القرن الثالث الي القرن الخامس الميلادي ؛ ويوجد منها ترجمة كاملة لسفر الأمثال ؛ والأنبياء الصغار ؛وشذرات من أسفار:- التكوين ؛الخروج ؛يشوع بن سيراخ ؛ودانيال ؛والمكابيين الثاني ؛وأنجيل متي ؛ولوقا ؛ورسالة غلاطية ؛ورسالة يعقوب .
أما أسفار الكتاب المقدس الموجودة باللهجة الأخميمية الفرعية فهي :إنجيل يوحنا ويرجع للقرن الرابع تقريبا وهو محفوظ في لندن ؛وقد نشره طومسون عام 1924 م ؛ توجد شذرات صغيرة من ارسالة إلي العبرانيين ورسالة فليمون ؛وقد نشرها العالم "بيليت" عام 1978 م .
أما أسفار الكتاب المقدس باللهجة الفيومية فهي :بردية من إنجيل يوحنا ؛وهي محقوظة في مكتبة جامعة ميتشجان ؛وقد نشرها العالم هسلمان عام 1962 م ؛وترجع إلي أوائل القرن الرابع الميلادي تقريبا ؛ وهي النسخة التي أشرنا إليها في المقدمة . كما توجد بعض أوراق من إنجيل مرقس ومن سفر أعمال الرسل . ـاما العهد القديم فتوجد منه أجزاء من سفر الخروج ؛ العدد ؛ المزامير ؛ إشعياء ؛إرميا ؛دانيال مع سوسنة .
ولقد لعبت الأديرة القبطية دورا رائعا في حفظ وصيانة هذه البرديات حتي وصلت إلينا سليمة قدر الإمكان ؛ ومنها دير الأنبا شنودة بسوهاج والمعروف بالدير الأبيض ؛ فلقد أكتشف العالم الشهير "كرام Crum " بعض الكتابات الحائطية علي جدران الدير ؛ وكان ذلك عام 1904 ؛ فلقد وجد أن كتابات العهد الجديد قد شغلت رفوفا علي الحائط البحري للدير ؛ بينما كتابات العهد القديم قد شغلت رفوفا علي الحائط القبلي .كما عثر العلماء في مكتبة دير الملاك ميخائيل المعروفة بالحامولي في الفيوم ؛مخطوطات الكتاب المقدس بعهديه ؛ وهي محفوظة حاليا في مكتبة مورجان بنييورك .
ولقد ذكرنا في المقدمة أن الترجمة القبطية قد بلغت من الدقة شأنا كبيرا حتي أنها تكاد تضاهي النص الاصلي ؛ فعلي سبيل المثال في تسبحة السيدة العذراء "تعظم نفسي الرب " جاءت الترجمة البيروتية "أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين " بينما الكلمة القبطية (أفروخت) تعني (طرح –رمي- أسقط – حذف – هدم – باد – لاشي – أهلك ..... الخ) وهي لا شك كلها معاني أقوي من مجرد النزول كذلك أستعمل كلمة (جوري) ومعناه القوي ( لاحظ ان القديس العظيم موسي الاسود أسمه بالقبطية بيجوري أثوآب أفا موسي ؛ أي القديس القوي الأنبا موسي ) ـاما كلمة الكراسي فلقد وردت (أثرونوس) ومعناه "العروش" (تذكروا لحن بيك أثرونوس عرشك يا الله الذي يتلي في الساعة الثانية عشر من يوم الجمعة العظيمة ) فتكون الترجمة الأدق (طرح الأقوياء من علي العروش). كذلك أيضا في معجزة إقامة أبنة يايريس جاءت الترجمة البيروتية "آمن فقط فتخلص" فأستغلها البعض للترويج لعقيدة الخلاص في لحظة ؛ بينما الترجمة القبطية تقول "آمن فقط وهي سوف تشفي " . ولقد وردت بهذا النص في طبعات لاحقة .
وفي قصة القيامة كما وردت في الاربعة الأناجيل جاءت كلمة "قام" (أفتونف) والترجمة الدقيقة لها هي "أقام نفسه بنفسه " أي هو الفاعل والمفعول به في نفس الوقت .
وفي قصة يونان النبي جاءت الترجمة البيروتية "مالك نائما هكذا" (يونان1 :6 ) بينما الكلمة القبطية (إخرير) تفيد معني النوم العميق أو الثقيل وليس مجرد النوم ـأو التعسيلة الخفيفة . ولا شك ان المعني القبطي أقوي .
وأخيرا جاء عن السفينة في الترجمة البيروتية "كادت السفينة تنكسر " ؛ جاءت الترجمة القبطية (قول ايفول ) بمعني تنحل أو تتلاشي فكلمة تنكسر من الممكن أن تفيد انها تفتت قطعتين أو ثلاثة ؛ بينما الكلمة القبطية تفيد معني التحطيم أو التدمير الكامل ؛ ولا شك أنها أوضح وأقوي .
إعداد /ماجد كامل