لا تحتوي النفس البشرية على خصلة مهلكة كالحسد، فكما يأكل الصدأ الحديد هكذا يأكل الحسد النفس التي يسكنها. وكما يقرض العث الثوب يلتهم الحسد النفس التي يتولد فيها. الحسد هو الغمّ بسبب سعادة القريب. ولذلك يظلُّ هذا الحزن بلا نقصان، لأن لا تعزية للحسود غير ان يرى بأم عينه سقوط من يحسدهم، ولأن قصده واحد، وهو أن ينقلب حال من يثير حسده من السعادة الى التعاسة. قد يصطلح حال الحسود ويتغير اذا رأى قريبه باكيًا او صادفه كئيبًا. فهو عدو الحاضر وصديق الهالك.
الحسد نوع غامض من الخطيئة. الاحسان يجعل بعض ذوي النيات الرديئة ودعاء، ولكنه يزيد الحسود غيظًا لانه يحزن من قوة المحسن ولا يشعر بالشكر نحو المحسن اليه. الحسود يفوق أشد الحيوانات شراسة وقساوة. يصير الكلب وديعًا إن أطعمته، والاسد أليفا إن عُنيت به، أما الحسود فيزداد شراسة إن قدمت خدمة له.
إن أذنب أحد، نشر الحسود الذنب عاجلاً ليعرف الملأ به كما يفعل المصوّر الرديء بالوجه المرسوم على اللوحة. الحسود ماهر في جعل الممدوح محتقرًا، محوّلاً إياه الى وجه رديء ومفتريًا على الفضيلة ومصورًا صاحبها كأثيم. الحسود يدعو الشجاع وقحًا، والعفيف عديم الإحساس، والعادل قاسيًا، والعاقل خداعًا، والكريم مبذرًا، والمقتصد بخيلاً. وعلى الإجمال يعطي كل فضيلة اسمًا يناقضها.
فاذا كان الموت والابتعاد من الله وزوال كل الخيرات يسيل الينا من الحسد كما من ينبوع، فلنسمع اذًا قول رسول المسيح: "ولا نكن ذوي عجب ولا نتغاضب ولا نحسد بعضنا بعضًا" (غلاطية 5: 26)، "بل كونوا ذوي رفق بعضكم ببعض، شفقاء مسامحين كما سامحكم الله في المسيح سيدنا" (أفسس 4 :32) الذي له المجد مع الآب والروح القدس الى دهر الداهرين آمين.